فرقة “الإنس والجام”.. حالة فنّية لا تشبه إلا “العصف الموسيقي”

يسرى الشيخاوي-
أنت لست حيّا ولست حرّا إن رضيت بالواقع على ماهو عليه، وليس من اليسر أن تنتفض وتكسر كل تلك القيود وتبتسم ابتسام ساخرة تطفئ الظلمة من حولك، ولكن الأصعب هو إنشاء معنى آخر للواقع مغايرا له ومتمايزا عنه لكنّه ابنه ، ينهل من تفاصيله ولا يمضي معه في نفس الاتجاه.
لا معنى للواقع، إن لن يُبعث في روح تجلّ ولد من رحمه، تجلّ قد يكون كلمة أو لحنا أو كلاهما معا في تعبيرة فنية تحيد عن المألوف وتصنع من الائتلاف تناغما تماما كفرقة " الانس والجام"، وهي فرقة فلسطينية حلّت بتونس في إطار برمجة مهرجان قرطاج الدولي، ليحتضن الركح تصورها الفني المتفرّد.
والفرقة التي رأت النور منذ سنوات قليلة، تشق طريقها في المشهد الفني الفلسطيني والعربي بخطى واثقة، وتخلق من اختلاف التوجهات الموسيقية لأعضائها فضاء موسيقيا لا تستوعبه التصنيفات، وهو الذي يتماهى فيه الجاز والبلوز والشرقي في توليفة حرّرت موسيقاهم من السياقات النابعة منها.
هم منسجمون روحيا، يحمل كل منهم توجّهه الموسيقي داخله ويتمسّك بشخصيته الموسيقية، ليلتقي كل أضعاء الفرقة على قاعدة " "العصف الموسيقي"، الذي يعد احد أعمدة اسم الفرقة، فالـ"جام" هو "العصف الموسيقي"، و"الانس" هو باعثه، لتكون " الانس والجام" جدالات موسيقية لفنانين أطلقوا العنان لآلاتهم.
جوزيف دقماق (بيانو) وحسين أبو الربّ (إيقاع) ومحمود كرزون (كمان) وأمير ملحيس (باص جيتار) وإبراهيم نجم (عود) ومحمّد مصطفى (غناء)، فنانون يؤمنون بأن حالة الابداع ليست رهينة شركة انتاج أوممول  طالما هناك رغبة في تجسيدها وكان ان تقاسموا عبء الانتاج في البداية وولوا وجههم شطر "اليوتيوب".
بعيدا عن التكرار والاستنساخ ومجاراة السائد، أوجدت الفرقة لنفسها هويّة جديدة ومتجدّدة عنوانها الصدق والعفوية، وكفرت بكل  الأطر والخانات التي قد تمس من طقوس تحرير النوتات، ليحفروا مكانهم في المشهد الموسيقي بمعول الاختلاف الذي جعلوا منه عنصر توازن.
فرقة موسيقية لا تستثمر في الهوية الفلسطينية بأسلوب ممجوج، لا تفضح هويّتها بل تفتح باب التأويل والتفكّر في توليفة موسيقية تلتقطها الأذن بسرعة، وكلمات يغلب عليها طابع الطرافة ولكنّها لا تخلو من النقد، وهو ما مهّد الطريق أمام هذه الفرقة لتكون حاضرة في سهرة فلسطينية ضمن برمجة الدورة الخامسة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي.
هي لا تشبه إلا نفسها وأعضاءها، فهي  فكرة وامتداد لمشروع يعبّر عن رغبة في خلق جيل موسيقي فلسطيني جديد، يحمل رؤية فنية ينصهر فيه التراثي والكلاسيكي والغربي، وبين أنغام البيانو والكمان والباص غيتار والعود والايقاعات وترددات الصوت تكمن تلك الرغبة في خلق اسلوب موسيقي قوامه الحرية والتحرر.
وبين من يرى ركح مهرجان قرطاج تتويجا لمسيرة هذه الفرقة حديثة النشأة وبين من يراه انطلاقة جديدة بعيدة عن العالم الرقمي، يقف أعضاء الفرقة في المنتصف، إذ يرون الأمر تتويجا وانطلاقة في ذات الآن ولا يخفون سعادتهم باعتلاء ركح مرات عليه قامات فنية عظيمة.
قبل عرضهم على ركح قرطاج وفي لقاء صحفي، عكست أجوبة الفرقة وعيا بتموقعهم في المشهد الموسيقي الفلسطيني خصوصا والعربي عموما، وتشبعهم بالرؤية الفنية التي انبنى عليها مشروع "الانس والجام"، وهم لا ينطقون عن هوى وإنّما مؤمنون بتوجههم وقدرته على الانتشار.
"فنطازية" وبكفي"، و"أنا داري"، و"شو هالحب التاراللّي"، أغان للفرقة الموسيقية جمعت فيها بين الروح الشرقية والغربية دون أن ترجح كفة واحدة على الأخرى، وكل أغنية جديدة برهان على أنّ "الانس والجام" فكرة والأفكار لا تموت.
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.