حبيبة سعيدان وفخّار سجنان.. قصّة خلق مدادها من طين

يسرى الشيخاوي-

إمرأة ورجل يتفيآن ظل شجرات تزين فضاء "مونار" ويفترشان عشبا بلون الزمرّد، أعينهم معلّقة بالجهة الأخرى، تقتفي أثر نظراتهم فتقع عينيك على رواق لصناعة الفخار فيه أوان للطهي وأخرى للزينة وحلي أيضا.

تقترب من الرواق فتشدّك ألوان الفخار عليه، أحمر وأبيض وأسود، وتأسرك تفاصيل الأشكال من القطط إلى الفيلة والبوم والقدور والعقود، وأنت تجول بينها تطالعك ورقة خطّ عليه اسم صانعة الفخار حبيبة سعيدان.

وفيما أنت تلامس القطع الفخارية وتتأمل دقّة تشكيلها، تتعثر بابتسامة سعيدان التي غادرت مكانها تحت الشجرة وأتت تسألك عن حاجتك وهي تبتسم ابتسامة تخال أنها لم تفارقها مذ أن ولدت.

وبين أوانيها وتحفلها التي خلقتها من طين، تسافر بك بين تفاصيل ترويها بمحبة وفخر وهي تستحضر ذكريات بعضها بعيد وبعضها قريب ولا تنفك تمرر يديها على الفخار وكأنها تسحب منه الكلمات.

عن خروج النسوة في الصباح الباكر لجلب الطين من الجبل حدّثتنا حبيبة سعيدان التي تعلمت صنع الفخار عن والدتها بعد أن غادرت مقاعد الدراسة في السنة السادسة من التعليم الابتدائي.

وبعد جلب الطين من الجبل، تجففنه على امتداد ثلاثة أيام أو اكثر حسب حرارة الشمس ثم يخلطنه بـ"التفون" وهو بقايا آنية قديمة يكسرنها ويحولنها إلى مسحوق باستعمال حجر يسمى "القرقاب".

إثر خلط الطين بـ"التفون" تعجنه النسوة بسيقانهن حتى يصيرا مزيجا متجانسا ثم تنقّينه من الشوائب ليصير ناعما ويكون سهل التشكيل وحتى لا تغزوه الشقوق فيما بعد، ومن ثم تنكلق عملية خلق الأواني.

ما إن تشكّل الحرفية آنية الفخار تعرضها للشمس حتى تجف ومن ثم تمرر عليها محّارة حتى تصير ملساء وتطليها بطين أحمر أو بيض حسب رغبتها ومن ثم تعيد تمرير المحار عليها.

من الجبل أيضا تحضر محدثتنا ورفيقاتها في قصة خلق الطين، الفرناس من الجبل وتوقد فيه النار وهو يغطي الأواني الفخارية التي تفترش اللوح أو الخشب حتى يستوي لونها دون أن يغشاه السواد.

وإذ رغب بعض الحرفاء في آنية فخار سوداء، تقوم برميها في كومة من التبن مباشرة بعد اخراجها من التنور فتصطبغ بدخانه وتكتسي لونا أسودا يلقى إقبالا خاصة في علاقة باستعمالات الطهي.

إن كانت النسوة يصنعن أواني الطهي واستعمالات المطبخ ليتطوّر الأمر شيئا فشيئا ويشمل الزينة والحلي المصنوع من الطين، معوّلات في ذلك على خيالهن يستقين منه الأشكال.

ومن الطين الذي خلقن منه، تشكّل اناملهن أواني يبعنها على قارعة الطريق، طريق طبرقة التي كانت تجلب السياح وفق قول محدّثتنا التي ترجع الفضل فيما هي عليه اليوم إلى الطين، وفق حديث حبيبة سعيدان التي لم تفرّط في ابتسامتها طيلة اللقاء معها رغم ان الكورونا ضربت مصدر رزقها في مقتل.

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.