عين على الشّاشة: بين سلامة النيّة وقلة المهنية.. مشاهد يبحث عن الخصوصية “الرمضانية”

أمل الصامت –

عرفت القنوات التلفزية التونسية الخاصة في السنوات السبع الاخيرة تزايدا ملحوظا، مما أوحى في البداية ببرمجة ثرية ومتنوعة قد تعيد المتفرج إلى مجتمعه التونسي المتسم بخصائص لا تشبه غيره من المجتمعات العربية أو الغربية، خاصة في شهر رمضان، إلا أنه لا تجري الرياح دوما بما تشتهيه السفن.

الانتاجات الدرامية والبرامج الترفيهية والكاميرا الخفية التي دأبنا على مشاهدتها في الشهر الكريم لم تعد بنفس نكهة “الزمن الجميل” وحتى إذا أردنا استعادة ذلك الزمن فالامر محال ونصف عمالقته رحلوا ولم يتركوا سوى الذكريات والحسرة في قلوب جماهيرهم ومحبيهم.

ولا يجب فهم الأمر هنا كونه بكاء على الأطلال أو تقليلا من قيمة الفنانين والمبدعين الشبان، بل هو تحسّر على فقر الانتاجات وحصرها في التنافس على بلوغ أعلى نسبة مشاهدة وجلب أكبر عدد من المستشهرين لتحقيق الثراء المنشود.

ولعلّ الرغبة في إثراء المشهد البصري موجودة لدى كل القنوات ولكن بالطريقة الخاطئة، فما أبداه القائمون على مسلسل “تاج الحاضرة” مثلا في تصريحاتهم من سعي إلى إحياء تاريخ تونس في عهد البايات قد يكون صادقا إلا أنهم نسوا ربما قاعدتي “ما خاب من استشار” و”فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون” وهما مقولتان تتجاوزان الشأن الديني إلى كل ما قد يجهله الانسان أو يتجاوز نطاق اختصاصه وعلمه.

وبدا “تاج الحاضرة” وكأنه نسخة تونسية لمسلسل “حريم السلطان”، رغم أن قصص “الحريم” فيه تجاوزت حدود “الحرملك” إلى بيوت تابعي السلطان من مسؤولين ووزراء يتزوجون من سلالة البايات بينما يستمتعون بـ”العلاجي” وبنات العامة، وهنا قد يحصل المحظور ويولد الأبناء خارج إطار الزواج فيفتكون من أمهاتهم وينسبون إلى الزوجات سليلات البايات و”علية القوم”.

“علي شورّب” هو الآخر، عرف نصّه نفس المعضلة، وسواء نسي أو تناسى القائمون عليه الرجوع إلى المؤرخين، وهم أهل الذكر في هذا المجال، فقد قدموا عملا غير متوازن أصبح فيه المجرم بطلا حتى وإن تعلّق الأمر بما يعرف بـ”الصعلكة الشريفة”، والحال أن الأبطال الوطنيين كثر وكان الأجدى لو حاولنا نشر قصص تضحياتهم في سبيل بناء تونس التي نعيش اليوم لدى جمهور أصبح -للأسف- يستسيغ الصورة أكثر من الكتاب.

وإن كانت هذه الشخصية مؤثرة في زمن لا يرتقي فيه عدد الاحياء الشعبية إلى العدد والكثافة الحالية، فكيف لمن يعرفهم عالمنا اليوم من مؤمنين بعقلية “الفتوة” والاستقواء أن يترجموا هذا العمل غير أنه تشريع لكل الجرائم التي يرتكبونها ويحاولون طمسها بنصرة امراة تستغيث بهم إذا تحرش بها أحد من خارج الحي أو متقاعد سلب منه منحرفون من عصاباتهم جرايته.

وإن قرأنا سلامة النية وعدم الالمام بالوقائع التاريخية في هذين الانتاجين الدراميين الوحيدين لشهر رمضان هذه السنة، خاصة بعدما قررت التلفزة الوطنية عدم خوض السباق الدرامي وهي المطالبة نوعا ما بالانضباط لمثل هذه المعايير، فإنه لا يمكن إيجاد نفس الأعذار للسلسلات  الهزلية أو “السيتكومات” المعروضة إلى حد الآن على غرار “دنيا أخرى” و”7 صبايا” و”نسيبتي العزيزة” لما تشهده نصوصها من ابتذال واعتماد اللهجة الريفية او الإيحاءات الجنسية للاضحاك وعدم تناول قصة أو أحداث متماسكة بقدر السعي إلى التهريج.

ولئن اعتمدت هذه الانتاجات الكوميدية على أسماء كبيرة في عالم الكوميديا والتمثيل عموما على غرار عبد الحميد قياس ومنى نور الدين ونعيمة الجاني إلا أن هيبة أسمائهم ووقوفهم إلى جانب الفنانين الشبان من خلال خبرتهم الطويلة أمام الكاميرا هي النقاط الإيجابية الوحيدة التي يمكن الوقوف عليها، وهو ربما ما سعى المنتجون لاستغلاله بهدف بيع انتاجاتهم وجلب المستشهرين.

اما الكاميرا الخفية فذلك موضوع يتطلب ورقات عديدة لوحده، حيث تفاجأ جمهور احدى شاشاتنا التونسية في رابع أيام رمضان بصورة تحوي علم الكيان الصهيوني يرفرف مرفوقا بعنوان مكتوب باللغة العبرية ورجل دين يهودي، بهيأة إسرائيلية أكثر من كونها يهودية، يتوسط فنانا وإعلاميا تونسيين.

والصادم أكثر من هذه الصورة، تصريح منتج هذا العمل الذي لا يصلح لأن يكون “كاميرا خفية” والضيوف فيه قد هُددوا بالأسلحة، بأن الهدف مما قام به هو عمل استقصائي أراد من خلاله فضح المتشدقين من شخصيات عامة برفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، فعن أي كاميرا خفية وعن أي عمل استقصائي يتحدثون؟

كما لم تبخل قنواتنا الخاصة، وأساسا تلك التي تسجل يوميا أعلى نسب المشاهدة حسب شركات سبر الآراء، على إنتاج برامج ترفيهية بعضها يعرفه المشاهد من قبل الشهر الكريم ولكن الفرق إضافة كلمة “spécial ramadan” على غرار برنامج “l’émission”، وآخر بنفس نصف الفريق مع إضافة وجوه جديدة وتغيير العنوان بالكامل والمقصود هنا حكايات رمضان المعروف في البرمجة العادية بأمور جدية، فلا الأمور جدية ولا الحكايات جميعها حكايات رمضان.

ولكن حتى لا يقال إن الكلام ورد سلبيا في مجمله تجاه هذه البرامج التي أحببنا أم كرهنا تحصد نسب مشاهدة عالية، لا سيما وأن البديل غير موجود، فإن هناك دائما قناديل تضيء هذه المساحات مثل فوانيس رمضان المصرية التي تظهر حامليها للعيان وسط الظلام، على غرار الدور الذي يلعبه “الكرونيكور” شكيب درويش في برنامج حكايات رمضان من خلال فقرة “الحكواتي” لما تحمله من معلومات عن أصول الأمثال الشعبية التونسية تذكرنا في جزء منها بحكايات العروي والشاشة الرمضانية التي نحب.

ويبقى التوسي أكثر الشعوب نقدا لما يتابع.. فهو الذي لا يغادر إلى المقهى أو العمل او قضاء بعض الحاجيات بعد الإفطار إلا بعد انتهاء هذا المسلسل أو ذاك، لينعت بعد ذلك منتجيه وممثليه بابشع النعوت وهي حقيقة نلامسها يوميا حتى من قبل أقرب الناس إلينا، والذين يبررون مواقفهم تلك بانه ليس هناك من بديل وأنهم يبحثون في أي انتاج عن جزء من “ريحة” رمضان والذي يتعلق بالمسلسلات الرمضانية.

 

 

 

 

 

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.