عن لقاء راضية النصراوي وجميلة بوحيرد

 يسرى الشيخاوي- 

 بعض الصور تظل عالقة بالذاكرة لا تغادرها بل إنّك في لحظة وقوع عينيك عليها تتمنى أن يتوقّف الزمن وينتهي العالم على تلك الصورة ففيها كثير من التاريخ الصادق وبعض من الدم والدموع، ولعلّ صورة لقاء المناضلة راضية النصراوي والمقاومة جميلة بوحيرد من بين هذه الصور التي ستكون عصيّة على النسيان. 

حينما تلتقي جميلة بوحيرد وراضية النصراوي تزهر المقاومة، وبين إمرأة صرخت في وجه الاحتلال الفرنسي في الجزائر وتجاوزت صراتها حدود وطنها وتحرّك العالم في صف الثورة الجزائرية، وإمرأة قالت "لا" وغرّدت خارج سرب المردّدين "نعم" وصمدت في وجه نظام بن علي في أوج جبروته، تبتسم النسوية.

وأمام نظرات المرأتين اللاتي حفرتا إسميهما في الذاكرة الوطنية وتجاوزتاها إلى العالمية، تسكت الكلمات وتعجز كل الحروف عن ترجمة لقاء يرشح صدقا وتتجلّى فيه المقاومة بوجوهها المختلفة، مقاومة تمتد من الجزائر إلى تونس.

وقفة المناضلتين على مسرح قاعة عمر الخليفي بمدينة الثقافة جنبا إلى جنب في افتتاح أسبوع أفلام المقاومة والتحرير تحمل الكثير من المعاني وتبث رئاسل كثيرة من بينها أن النضال رأس مال رمزي لا يذوي بتقادم الزمن بل يتعتّق ويترسّخ عقدا بعد عقد.

تجربتان مختلفتان في النضال ولكنّهما تلتقيان عند كفر المرأتين بالصمت والخضوع واختبار خوض معركة كسر القمع إلى نهايتها، وإن خاضتها جميلة بوحيرد مع محتل غاصب فإن راضية خاضتها مع حاكم جائر، لتبتسما على وقع انهيار الظلم في وجوهه المتعدّدة.

"أهدي هذا الدرع للشهداء" كلمات معدودات قالتها جميلة بوحيرد وهي تتسلم الدرع من راضية النصراوي، لم تطل الحديث ولكنّ حشرجة صوتها وهي تلفظ كلمة "شهداء" قالت قولا كثيرا لا يمكن للكلمات أن تختزله.
وإن لم تتكلّم راضية النصراوي فإنها خاطبت الحضور بابتسامة كانت ومازالت تحافظ عليها في أعتى المواقف، ومن سطوة نظام بن علي إلى سطوة المرض مازالت تعانق محبيها بنظراتها ومازلت صامدة في وجه قمع أبى أن يفارقها.

وموجة التصفيق التي غزت القاعة عندما حلّت بها راضية النصراوي ورفيق مسيرتها حمّة الهمامي، وحينما حلت جميلة بوحيرد بعد تأخير تعكس منزلة المرأتين في نفوس أجيال كثيرة بعضها غزا الشيب رأسه وبعضها مازال يتحسس طريقه في الحياة.

وبعيدا عن أسبوع أفلام المقاومة وعن الجهات المنظّمة له والأفلام المبرمجة، يظلّ حضور راضية النصراوي وجميلة بوحيرد في افتتاحه ولقائهما على الركح زينة التظاهرة وأحد تفاصيلها التي لن تمحى من ذاكرة من شاركوا فيها.

 

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.