عن فيلم “بنت القمرة”.. عيون تخشى الشمس وقلوب تنبض حياة

 يسرى الشيخاوي –

طفلة صغيرة بلباس يشبه زي الفضاء تعانق أصدقاءها في المدرسة، تدخل قسمها تنزع غطاء كان يحمي عينيها من أشعة الشمس فيظهر وجهها مختلفا بتلك البقع التي تكسوه لكنه جميل ومشع كقمر في ليلة ظلماء، هي آية "بنت القمرة".

"آية" إحدى بطلات الفيلم الوثائقي "بنت الڨمرة" إخراج هبة الذوادي وإنتاج ندى المازني حفيظ، والفيلم يغوص في حياة ثلاث فتيات من أطفال القمر، هو عين على تعايشهم مع هذا المرض وعلى نظرتهن لأنفسهن من خلال المجتمع، هو مراوحة بين لحظات قوتهن ولحظات ضعفهن، هو واقع "بنت القمرة" دون ستائر.

آية.. أثر الفراشة لا يزول 

آية طفلة لم تختر أن تكون من أطفال القمر، وربّما هذا ما جعلها لا تكف عن طرح الأسئلة والتذمر من البقع التي تغزو جسدها، بقع تتكاثر كلما تعرّضت إلى أشعة الشمس.

"أنا لا أكره الشمس.. ولكنني لا أقترب منها" جملة لفظتها آية وهي تتبوأ ركنا من منزلها لا تصله أشعة الشمس، كلمات قد تبدو عادية ولكنها تحمل بين طياتها معنى عميقا، كيف لطفلة تعد الشمس عدوها ان تقول بكل تلك البراءة أنها لا تكرهها، يا لهذا القلب الذي ينبض حبا.

لا أحد يستطيع أن يتكهن بما يعتمل في نفس طفلة صغيرة، تبقى محبوسة بين حيطان القسم فيما يلعب اترابها في ساحة المدرسة.

ولا أحد يمتلك القدرة على شرح مشاعر طفلة تبقى سجينة المنزل حتى غروب الشمس في يلعب الأطفال في حيها، من أين تستمد هذا الجلد والصبر، في الحقيقة الأمر ليس بيدها ولا حل لها سوى أن تسلم بالأمر الواقع حتى لا تتعدى حالتها الصحية.

وأن نسلم بالأمر الواقع ليس بالأمر الهين، أن ترضى بسجنك وتعيش بعيدا عن الشمس قد يدفعك إلى البكاء كما فعلت آية، دمعات حاولت أن تحبسها ولكنها انفلتت منها.

وفي بعض الأحيان لا بد من البكاء لإزاحة بعض الأعباء عن عاتقنا، بكاء قد تعقبه ابتسامة أمل في غد أفضل غد تحلم فيه "آية" بأن تكون فراشة تتنقل بحرية دون قيد الشمس، وأثر الفراشة لا يزول على قول الشاعر محمود درويش.

لمياء.. أنثى تمسك قلبها بين يديها 

"لمياء" هي البطلة الثانية في فيلم "بنت الڨمرة"، تحدت مرضها وناقشت رسالة الماجستير في علم الجينات النباتية، لديها حساسية مفرطة للأشعة فوق البنفسجية وفي المقابل لديها قدرة فائقة على تحدي اختلافها.

"لمياء"، أنثى تواجه العالم بقبضة من حديد ولكنها تبكي إذا خلت إلى نفسها، تتحكم في ردة فعلها إذ رأت مرضها في أعين الآخرين ولكنها تمر بلحظات انكسار عابرة.

هي أنثى يؤلمها اختلافها عن بقية الفتيات، تشبه نفسها بعصفور في قفص، مرضها يحد من قدرتها على التحليق بعيدا بعيدا حيث الشمس.

كانت في صغرها تتساءل عن سر البقع في جسدها، آثار أشعة الشمس على جلدها ولكنها في فترة المراهقة أصبحت تتألم من اختلافها.

"علاش أنا" تتساءل "لمياء" وهي تغالب رغبتها في البكاء، هي تريد ان تكون حبيبة وزوجة وأما، هي أنثى ترغب في الحب، لكنها في مجتمع لا يتوانى أفراده عن أن يخلفوا في الآخرين جراحا لا تندمل.

"انت جميلة وجذابة لكنك لا تصلحين للزواج"، جملة قالها احدهم للمياء، فكان أن ردت ألأنني أحمل بقعا في وجهي ولا يمكنني أن أخرج والشمس ترسل أشعتها لا أصلح للزواج.

لمياء لم تقنت من البحث عن الحب وظلت حاملة قلبها بين يديها لتهبه لمن يستحقه، ظنت أن أحدهم هو الشخص المعني إلا أن بعض الظن إثم فقد تركها بعد سنتين.

"لمياء" التي احتفلت بعيد ميلادها الخامس والعشرين متجاوزة معدل أعمار أطفال القمر الذي يتراوح بين 22 و23 سنة قلبها ينبض بالحياة ومازالت تبحث عن الحلم، وهي اليوم تمارس الرقص على أنقاض الواقع المرير.

سهام.. مسلحة بصورة طبيعية 

"سهام" هي البطلة الثالثة في فيلم "بنت الڨمرة"، على عكس "آية" و"لمياء" سهام لم تشعر أبدا أنها مختلفة عن الآخرين، سهام تحدت مرضها وكل التحذيرات من التعرض للشمس وأمضت يوما كاملا في البحر تحت أشعتها.

ما أقدمت عليه "سهام" يعد انتحارا إذ أن الأمر كان بإمكانه أن يؤدي إلى موتها، ولكنها أرادت أن تثبت لنفسها أنها قادرة على فعل ما يفعله الآخرون وأنها لا تختلف عنهم في شيء.

"كلمة سهام ما تقراش على خاطر مريضة هبلتني"، كلمات رددتها وعيناها تشعان تحدّ فهي اليوم انهت دراستها في الجامعة وتعمل وترسم لوحات بألوان الحياة.

"سهام" إمرأة بروح جميلة مسلحة بصورة طبيعية بثقتها في نفسها وإيمانها بقدرتها على المضي قدما في طريق النجاح ولا مبالاتها بنظرات المحيطين بها.

و في فيلم "بنت الڨمرة" نجحت المخرجة هبة الذوادي في أن تعرض معاناة أطفال القمر في تونس من خلال شهادة لثلاثة فتيات، شهادات اختلط فيها التحدي بالانكسار، وامتزجت فيها الدموع بالابتسامات، ويجب أن لا ننسى أن للقمر أبناؤه أيضا، فتيان وفتيات هم أطفال عيونهم تخشى أشعة الشمس وقلوبهم تنبض حياة.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.