عن الإرهاب الرأسمالي في تونس

 يسرى الشيخاوي-

في الوقت الذي تؤكّد فيه رؤوس السلطة في تونس ضرورة الالتزام بالحجر الصحي العام لقطع الطريق أمام انتشار فيروس كورونا  والخروج من الازمة التي خلّفها بأخف الأضرار، يكسر بعض المستكرشين من أصحاب رؤوس الاموال في تونس هذه الإجراءات ويرمون بالعملة في أتون الوباء.

والإجراءات المصاحبة لقرار الحجر الصحي العام استثنت المؤسسات ذات الخدمات الحيوية، وهو ما يعني أنّ بقية المؤسسات ستمتثل إلى قرار الحجر الصحي وإن كانت الحكومة لم تعلن إلى حد الآن عن إجراءات واضحة في هذه الحالة، خاصة وأن الراسمالية لن تتوانى عن التكشير عن أنيابها في أي حين.

مع بداية الإعلان عن إجراءات مجابهة "كورونا"، تلقّى الاتحاد العم التونسي للشغل شكاوى تتعلّق باستمرار عمل أكثر من اربعمائة مؤسسة خاصة تتوزع بين شركات كبرى وصغرى ومتوسطة وأغلبها ينشط في قطاعات غير حيوية وغير مستثناة من قرار الحجر الصحي الشامل.

وإن كانت وزارة الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسّطة قد أعلنت عن إسنادها مائتي ترخيص استئنائي يمكن مؤسسات خاصة من العمل زمن الجائحة، فإنّ الواقع يحيل إلى خلاف ذلك خاصة في ظل تواتر أنباء عن إجبار بعض أحاب المؤسسات العملة على الاستمرار في أنشطة غير حيوية.

كثيرة هي الشهادات التي تداولتها صفحات على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" وتوثق لكسر الحجر الصحّي من اجل الحفاظ على رقم معاملات مرتقع، وكثيرة هي الحالات التي كشّرت فيها رأي المالية عن أنيابها وغرزتها في رقاب طبقة شغيلة تكون فريسة للحاجة والخصاصة إن هي رفضت قرار الالتحاق بالعمل.

فيما يخرج رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ داعيا المواطنين إلى الاستمرار في تطبيق الحجر الصحي الشامل طيلة اسبوعين أخرين، تذرف عاملات في منطقة الناظور من ولاية زغوان الدمع لأنهن مجبرات على الالتحاق بعملهن في مصنع الأحذية الألماني.

وفي حديثها مع حقائق أون لاين، تقول إحدى العاملات ( تحفظّنا على ذكر اسمها كي لا تكون لقمة سائغة لمشغّلها) إنّها مضطرّة إلى الالتحاق بالعمل في مصنع الاحذية بعد ان بلغهم المشغّل بأنه حصل على ترخيص استثنائي للعمل لأنها لو رفضت ستجد نفسها فريسة للحاجة وهي المعيلة الوحيدة لأهلها.

بحديثها عن ترخيص استثنائي، تثير أسئلة عن ماهية القطاعات الحيوية في تونس وهل ان قطاع الاحذية قطاع حيوي لا بدّ من عودته إلى النشاط وتهديد السلامة الجسدية لأكثر خمسمائة عامل بعضهم يعاني من أمراص تنفسية، قد تكون الإجابة نعم في حال تجسّدت مقولة "إن عادت العقارب عدنا إليها بالنعال( الأحذية).

أكثر من خمسمائة عامل أغلبهم من النساء، نساء تسكن بالأرياف ويتطلّب تنقلهن زمنا طويلا ولا دخل لهم سوى بعض الدينارات يتقاضينها مقابل عمل يدوم 8 ساعات باحتساب راحة بنصف ساعة، يعدن بعدها إلى عمل تغيب عنه أبسط وسائل الحماية.

مواد مضرة تنعكس سلبا على الجهاز التنفسي، ومقر عمل لا تتوفر فيه وسائل تبريد ولا تسخين، وضعية هشة تعالت معها أصوات العملة بالاحتجاج لكن هتافاتهم كانت هباء منثورا، وهاهو المشغّل يمعن في  انتهاك حقوقهم بدعوتهم إلى العمل أو اقتطاع مرتباتهم.

ولن يتردّد في فعل ذلك، خاصة وأنه لم يسدّد للعملة راتبا كاملا خلال شهر مارس واكتفى بخلاص أسبوع وحيد زاولوا خلاله العمل ولم يحتسب أيام الحجر الصحي الشامل حتّى أن من التزموا به ندموا أشد الندم إذ تقول العاملة التي أرهقها الجور والذلم إنّها لو كانت تعلم بذك لسلّمت نفسها إلى الفيروس وتقاضت راتبها كاملا.

رواتب تتراوح بين ثلاثمائة وخمسمائة دينار شهريا، لا يتسلم منها العملة سوى أجر أسلوع واحد وللمرء أن يتخيل وضعية هؤلاء العملة في ظل الازمة التي خلّفتها الجائحة، وكيف سيوزعون الملاليم التي وصلتهم.

وهي تعدّد حالات الإصابة بأمراض تنفسية وسرطانية أيضا، تقول محدّثتنا إنّه لا فرق بين هذه الامراض وبين الكورونا وإنها ستلتحق بالعمل لأنها لا تريد أن تبقى بلا عمل وبلا راتب تؤمن به حاجياتها وأهلها.

وإن تكلمت هذه العاملة لتشكو ممارسات مشغّلها وتكلم آخرون لفضح ظلم ربوب الأعمال فإن بعضا آخر لاذ بالصمت لكي لا يجد نفسه عاريا من تلك الملاليم التي يقارع بها واقعه المعيش، في انتظار أن ينقطع دابر الإرهاب الرأس مالي يوما ما.

 

 

 

 

 

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.