عن استعادة الأغاني .. وإذا عين تونسية استهوت مصر ولبنان

 يسرى الشيخاوي-

 
اليوم ڨالتلي زين الزين.. اليوم ڨالتلي زين الزين.. الليلة نتلاڨوا .. الليلة نتلاڨوا في العين" كلمات للفنان الهادي الجويني التقطتها ذاكرة التونسيين وحفظتها ولم تسقطها ثقوبها رغم مرور السنين.
 
وإن تغنّى الهادي الجويني بالعين مكانا يتدانى فيه العشاق ويحيون فيه لحظات من الوصل على إيقاع خرير المياه، فإنّ مدّوّنته الغنائية لم تكن سوى عين تلتقي عندها أنماط موسيقية مختلفة، عين تغوي الفنانين باستعادة أغان من إرثه الفني العظيم.
 
لأنّ إبداعه الفنّي لا يعرف حدودا ورؤيته الموسيقية الحديثة وقتها سابقة للعصر، فإنّه أبى أن يكون سجين الموسيقى الكلاسكية وأدخل إيقاعات أخرى على موسيقاه حتّى أنّها أسرت أم كلثوم حينها، ويبدو أنّها مازالت إلى اليوم تغوي فنّانين كثرا لينهلوا من هذه العين التي تدرّ ألحانا عصيّة على النسيان.
 
هو فنّان تونسي لا يشمله التصنيف الزمني، خامته الصوتية متفرّدة وتصوّره الفني أكثر تفرّدا وهو الصالح لكل الأزمنة، يراود الذاكرة الجماعية للتونسيين في كل حين، فيردد كلمات أغانيه البسيطة والرقيقة إذا ما بلغت ألحانها أسماعهم.
 
من المعلوم أن الموسيقى لغة تتغيّر مع السنين على اختلاف تقييم هذا التغيير، وتتميّز كل فترة بطابع موسيقي معيّن يسم الأغاني التي ترى النور خلالها، وما يميّز الهادي الجويني عن غيره من الفنّانين أنّه قوّض فكرة "الانضباط" إلى طابع موسيقي معيّن، وخلق لنفسه فضاء موسيقيا كان بمثابة الثورة في الموسيقى التونسية.
 
لحن يرشح اتقانا وثقافة موسيقية تتطلّع نحو الأفق وكلمات تنهل من واقع يلتقي فيه الأمس باليوم، عناوين لنجاح عابر للزمن، جعل من الموروث الموسيقي للهادي الجويني عينا يلتقي عندها فنانون من بلدان مختلفة.
 
وفي صائفة 2019 كان الهادي الجويني نجم الأركاح بأغان حيّة لا تموت، استعادها فنانون عرب على أركاح مهرجانات دولية، إذ غازل الفنان المصري محمّد محسن جمهور مهرجان الحمامات الدولي باستعادات للهادي الجويني، وسارت الفنانة اللبنانية كارول سماحة على نفس النهج في مهرجان قرطاج الدولي.
 
عند عين تونسية، مزاجها من إبداع، التقت مصر ولبنان في شخص فنّانيْها، حيث كان صوتيهما تذكرة بأغان من زمن جميل، لم تمّح كلماتها من ذاكرة جمهور ردّدها معهما، وتراقص على ألحانها التي وإن صبغها التجديد على مستوى التجديد إلا انّها لم تفقد الخصوصية التي أوجدها لها الهادي الجويني.
 
على مسرح الحمّامات، لم يخف محمّد محسن على جمهور أن الغناء للهادي الجويني في تونس أحد أحلامه التي أراد لها القدر أن تتحقّق في أوّل حفل له فيها، قبل أن تتردّد كلمات أعنية " حبّي يتبدّل يتجدّد" في المدارج.
 
"البوم قالتلي زين الزين" أغنية من الزمن التونسي الجميل كانت هي الأخرى حاضرة في صوت محمّد محسن في توزيع  جديد لم يمس من روحها الموسيقية الأصلية، لتلامس شغاف نفوس الجمهور ويتمايلون على وقعها.
 
من نفس العين، نهلت كارول سماحة على ركح قرطاج الأثري، وخاطبت جمهورها الذي صافحته من جديد بعد غياب خمس سنوات، بنفس الأغنيتين اللتين استعادهما محمد محسن من مدوّنة الهادي الجويني، أي "حبي يتبدّل يتجدّد" و"اليوم قالتلي زين الزين"، وأردفتهما بأغنية " أول نظرة درباني"، في تحية لجمهورها التونسي.
 
وصلة من ثلاث أغان لفنان اعتبرته سابقا لعصره، سرت معها الحماسة في المدارج حيث تفاعل الجمهور رقصا وهتافا وتصفيقا، رغم أن كلمات الأغاني خانت كارول سماحة في بعض المواضع ولم تلفظها بالشكل الصحيح، وهي التي اكّدت أنّها تحب الهادي الجويني كثيرا وتسمع أغان من مدوّنته.
 
ومن مسرح الحمامات إلى مسرح قرطاج، كان الفنان التونسي الهادي الجويني نجم الأركاح، في استعادات لفنانين ربّما وجدا في أسلوبه الفني ضالتهم، فأغانيه تلائم صوتيهما وتجمع بين الكلمة البسيطة واللحن العميق، كما أنّهما يغازلان الجمهور التونسي من خلالها، ويستفيدان من رأس المال الرمزي للهادي الجويني الحيّ أبدا بإرثه الفنّي.
 
 
 
 
 
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.