عطلة الأمومة بين التشريع والحق الإنساني

رشاد الصالحي-

تظل فترة الولادة وفترة الأمومة من أكثر الفترات حرجا وإرباكا للموظفة في مجالات الوظيفة العمومية المختلفة لوجود تقاطع بين وظيفتين وهي الأمومة والعمل، ولا مجال للتفريط في إحداهما. ولذلك كثيرا ما تجد الموظفة نفسها ممزقة بين الواجب الوظيفي وعاطفة الأمومة وهو ما يؤثر سلبا على المردود في العمل ناهيك عن التقصير في العناية بالرضيع.

(س. ح ) موظفة بإحدى المؤسسات العمومية تحمل رضيعها مسرعة إلى إحدى المحاضن القريبة من مقر عملها تحدثت إلينا بتذمر عن عطلة الولادة والأمومة معتبرة إياها غير كافية للإحاطة بابنها ورعايته بيولوجيا وعاطفيا. لذلك لم تجد بدا من اللجوء إلى المحضنة لتشاركها أعباء الأمومة وذلك أمر نسبي لأن بالفضاء كثيرا من الرضع.

وحتى الأب لا يستطيع أن يؤدي دور الأم الموظفة في غيابها. وإزاء هذا الأمر اقترحت محدثتنا أن تمتد عطلة الولادة والأمومة على سنة بكامل الأجر حفاظا على توازن الرضيع بيولوجيا ونفسيا.

ومثل حالة (س.ح) كثيرات، أين توضع المرأة بين مطرقة الأمومة وسندان الوظيفة، وكثيرا ما يكون الرضيع في وضع الضحية.

وبالرجوع إلى النص القانوني، فإن النظام الأساسي العام لأعوان الوظيفة العمومية نص في الصفحة 58 في ما يتعلق بعطلتي الولادة والأمومة في الفقرة الأولى من الفصل 48 من القانون عدد 112 لسنة 1983 المؤرخ في 12 ديسمبر 1983 على أنّ عطلة الولادة مدتها شهران بكامل المرتب. أما الفقرة الثانية من هذا الفصل فقد جاء فيها ما يلي: "لقد أقرت الفقرة الثانية من الفصل 48 عطلة الأمومة التي يمكن منحها إثر عطلة الولادة وبطلب من المرأة الموظفة قصد تمكينها من تربية أطفالها وذلك لمدّة أقصاها 4 أشهر مع استحقاق نصف المرتب… وتهدف عطلة الأمومة إلى تمكين المرأة الموظفة من التفرّغ كليا لأطفالها". 

(نادية.و) هي الأخرى ضحية هذه الوضعية، فقد اضطرت إلى طلب عطلة طويلة الأمد دون مرتب استجابة لشرط زوجها قصد الاهتمام بصغارها، وإلا فإن مصيرها الطلاق. 

واستجابة للضغوطات فقد تمّ اقتراح قانون عدد 93/ 2020 ويتعلق بتنقيح الفصل 48 من هذا القانون وفي فقرته الأولى وهي أن تتمتع الموظفة وبعد الإدلاء بشهادة طبية بعطلة ولادة مدتها 4 أشهر مع استحقاق كامل المرتب. وتنقيح الفقرة الثانية من هذا الفصل باقتراح منح الموظفات وبطلب منهن عطلة أمومة لمدّة لا تتجاوز 6 أشهر مع استحقاق نصف المرتب وذلك لتمكينهن من تربية أطفالهن، وتمنح هذه العطلة مباشرة من طرف رئيس الإدارة.

هذا التنقيح لم تتم المصادقة عليه من قبل ولم يتم اقتراحه في المجلس الحالي من قبل 10 نواب وهو العدد الكافي الذي يمكن من إحالة القانون على اللجنة قبل المصادقة. 

(فاطمة.س) لم تستطع التوفيق بين وظيفتها البعيدة عن محل سكناها، وبين شؤون بيتها ورعاية صغارها فكان الطلاق مصيرها الحتمي. 

وفي هذا السياق أكد الناشط في المجال السياسي والثقافي رؤوف الهداوي في تصريح لحقائق أون لاين، أن "تنقيح الفصل 48 من النظام الأساسي العام لأعوان الوظيفة العمومية يخضع لعدة اعتبارات، ومع ذلك لا بد من تمتيع المرأة بعطلة أمومة تكون خالصة الأجر، لأنه لو اعتمدنا المنطق الحسابي – الربح والخسارة –  فإن المرأة الموظفة تتمتع طيلة حياتها المهنية مرتين أو في أقصى الحالات ثلاث مرات بعطلة الأمومة. ومن المحرج أن نضع المراة أمام معادلة صعبة وهي الاختيار بين أجرها الشهري ورضيعها. لذلك فإن تمتيع الموظفة بعطلة امومة تصل إلى ستة أشهر مع الحفاظ على أجرها الشهري كاملا سيكون أمرا مربحا صحيا ونفسيا لسلامة الأم والرضيع. والأهم من ذلك الحفاظ على استقرار المردود في العمل، فلا يمكن الحديث عن مردودية في العمل وعقل الأم ممزق بين الرضيع والعمل".

ويضيف محدثنا "ليست منّة أن تتمتع المرأة الموظفة بعطلة امومة مريحة بل إن المجتمع في هذه الحال يكون قد قدم خدمة لنفسه ضمانا للتوازن النفسي والصحي للأم وللرضيع".

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.