عرض فيلم شظايا أحلام في “سينما الريف”: حينما تبعثر السلطة أحلام الجزائريين ولا تتيح لهم إلا الموت

يسرى الشيخاوي-
 
"شظايا أحلام" فيلم وثائقي للمخرجة الجزائرية بهية بن الشيخ لفقون  يطرح سوداوية الواقع الجزائري وضيق مربع الحرية فيه، والفيلم الذي منع من العرض في الدورة السادسة عشر للأيام السينمائية ببجاية، عرض في مقهى بمدينة المكناسي في إطار تظاهرة "سينما الريف".
 
والمدير الفني للتظاهرة سيف فرج أراد من خلال عرض الفيلم أن يكسر حاجز المنع الذي طاله في الجزائر، وفي اختيار الفيلم دليل على أن "سينما الريف" تظاهرة تحتفي بكل الأفلام التي توثق لواقع البلدان العربية وتناهض كل أشكال الرقابة والصنصرة.
 
في دلالة العنوان
 
 "شظايا أحلام" عنوان يوحي بالتشاؤم والسوداوية ويحيل إلى المأساوية، فأن تتحوّل الأحلام إلى شظايا فيعني أن السبيل إلى تحقيقها مسدود، وهل للمرء أن يتخيّل أن تتحول أحلامه إلى شظايا، أن تتفتت وتتبعثر فلا يقدر على لملمتها، الأحلام كما الأبناء نغدق عليها من مشاعرنا وافكارنا فتكبر فينا شيئا فشيئا وتدنو من الحقيقة، لكنّ جدار الواقع يصدّها ويطبق عليها الخناق حتى تتشظى وتثير نسيا منسيا إلى أن تنهض من "رمادها" كطائر الفينيق.
 
وعنوان الفيلم يكتسي صبغة تراجيدية تحيل إلى صدامات ومنعرجات تشهدها حياة الشخصيات في الفيلم في علاقة بواقعهم.
 
الصراع السرمدي بين السلطة والشعب
 
الصراع بين السلطة والشعب، بين المستبد والمستبد به سرمدي، صراع لا بداية له ولا نهاية، ينكمش ويتمطط حسب أهواء الحكام ورغبة المحكومين في الانتفاضة والثورة.
 
و"شظايا أحلام"، صور الصراع بين السلطة والشعب في نسخته الجزائرية، صراع أججته مطالب الحرية والكرامة الوطنية تاهت وسط العدم الذي غذته لا مبالاة السلطة.
 
واقع المواجهات بين المتظاهرين المتشبثين بخيوط الامل رغم فظاظة البوليس وممارساته القمعية، رصدته كاميرا بهية بن الشيخ، متظاهرون لا تعني لهم الحلول والإصلاحات سوى مسكنات لإخماد أصواتهم المنادية بالحرية والانتاج.
 
وفي الفيلم إحالة إلى  تظاهر العمال الذي تعالت فيها أصوات الحشود رافعة لواء الحق النقابي، واضراب الأطباء السلمي الذي قارعته عصا البوليس.
 
عميقة وقاسية الصور التي عرضتها المخرجة عن احتجاج الاطباء، احتجاج من أجل الصحة في الحياة، أطباء بازيائهم البيضاء التي تحيل إلى السلام، يواجههم بوليس الدولة، الأمن في مواجهة الحياة ربما تترجم هذه الجملة المشهد.
 
هامش من الحقوق والحريات التي تجعل من الفرد مواطنا، هو المطلب الذي اجتمع عليه الجميع في بلد المليون ونصف المليون شهيد، لكنهم ظلوا يسبحون في دوامة من الفراغ ملأتها السلطة بمظاهر متعددة من القمع والانتهاكات والتضييق.
 
لا سبيل إلى الحياة لكن طرق الموت متعددة
 
رغم التضييق والرقابة على السينما الجزائرية تجرّأت المخرجة الشابة على تعرية الواقع الاجتماعي وحالة الغليان التي تعيشها فئات مختلفة من الشعب الجزائري.
 
ومطالب الحرية إذ جوبهت بالقمع تتحول إلى ردود أفعال على عنف الدولة وتتوج بالتكسير والحرق ومظاهر أخرى من الفوضى، فوضى مشروعة الهدف منها كسر الأبواب الموصدة في وجوههم. 
 
 ثلاثة مواطنين جزائرين كانوا ضحية لهاجس الحرية، "طارق" الذي غادر الجزائر بعد إذلاله ودفن آماله وأحلام، هرب إلى بلدان دخلها بطريقة غير قانونيو ولم يعتقله احد ولم يشتمنه احد ولم يصفعه أحد ولم يبصق في وجهه احد، كما جاء في شهادته في الفيلم.
 
أما "عادل" فحال الوطن يصيبه بحزن في الصميم لتدمير كل كفاءة ووعي وجمال يمكن أن يكون له وجود، هو يرى أن واقع الجزائر تجاوز المستحيل، في حين ينفي "طاهر" وجود أي سبيل للعيش فيما تتعدد سبل الموت انتحارا.
 
تخنقك الدولة في الجزائر تضيق عليك وتحصي أنفاسك، تصادر حقوقك وحرياتك لكنها في المقابل تتيح لك فرص الموت في الغرف المغلقة.
 
الأمل لا يموت 
 
والفيلم يوثق لوجه الجزائر الذي يسعى الحكام إلى طمسه، وجه ينشد الحرية والكرامة الوطنية، يعري طبيعة النظام السياسي القمعي ويبث رسائل تحث على التغيير والمضي قدما في اجتثاث كل مظاهر القمع والتضييق على الحريات.
 
وفي الفيلم مساحات شاسعة من الامل تجلت في البحر والسماء، ومساحات من المجهول أو العدم بدت في الفراغات، وبين الأمل والعدم طريق يظهر بلا نهاية، طريق تكرر ظهوره في الفيلم في إحالة إلى أن الطريق نحو الحرية طويلة طويلة جدا.
 
تظاهرات ومواجهات تصورها كاميرا المخرجة، تكسير وتحطيم وكر وفر بين المحتجين والقوات المدججة بالأسلحة، وصورة جنين في بطن أمه تسمع دقات قلبه على تلك الطريق المؤدية إلى الحرية، وهي صورة تحيل إلى أن الأمل لا يموت ويظل قائما، ذلك الأمل الذي يقود مسيرة التحرر من سطوة المنظومة.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.