عرض “طرڨ”: حينما تصرخ النغمات البدوية ” هنا تونس”

يسرى الشيخاوي-
 
حينما تعانقك النغمات البدوية، تسافر بك إلى سنوات خلت، سنوات صدحت فيها حناجر النسوة بأهازيج الفرح في " النجمة" و"المحفل" والافراح على اختلافها، هي ليست مجرد نغمات هي ذكريات على شاكلة أنغام، هي تذكرة عبور إلى الأزمنة الجميلة، ولحظات نقاء وصفاء تتحرر فيها من الواقع وإرهاصاته.
ولأن النغمات البدوية حمالة أولوية الفرح والذكرى وحافظة التراث والهوية، فإن مجموعة " طرڨ" اتخذت منها طريقا وطريقة في مشروعها الموسيقي الفتي، وفي قاعة المبدعين الشبان في مدينة الثقافة، انسابت نغمات الناي معلنة انطلاق رحلة الجمهور على أجنحة " الطرڨ " في افتتاح التظاهرة الموسيقية الشبابية "roots in the City"التي نظمها قطب الموسيقى والأوبرا لمسرح الأوبرا.
 
"طرڨ" أو في عشق الموسيقى البدوية
 
"الطرڨ"، هو تسمية النغمة البدوية، بامتدادها وعمقها وما تحمله من أسرار العشائر والقبائل وملاحم الحب وقصص والهجر والوصال، ولأنّ  "الطرڨ" يمتدّ في الهوية الموسيقية التونسية والموروث الغنائي، فإن مجموعة من العازفين الشبان اجتمعوا على هدف التعريف بهذه النغمة على الصعيد العالمي، من خلال الحفاظ على مقوّماتها وانفتاحها على موسيقات أخرى على غرار الجاز، وفق حديث عازف الناي فوزي السوداني. 
والمشروع الموسيقي يهدف إلى طرح الموسيقى البدوية بلمسة شبابية تمزج بين موسيقات مختلفة دون أن تفقدها روحها وجوهرها، وهو مشروع لا يعترف بالحدود، وفق قول السوداني، ويسعى أعضاء المجموعة إلى تطويره بما يمكّنهم من التعريف بالموسيقى البدوية على الصعيد العالمي.
 
حينما تصرخ النغمات البدوية" هنا تونس" 
 
في قاعة المبدعين الشبان، اعتلى 8 شبان الركح، ارتدى بعضهم قمصانا كتب عليها "طرڨ" بالحروف العربية وبأشكال "الخلال" وزينة "المرقوم"، تسلّح كل منهم بآلته الموسيقية وعشقه للموسيقى البدوية ليعلنوا انطلاق الأجواء الاحتفالية في المكان.
والمجموعة الموسيقية التي تأسّست سنة 2017 بدعوة من عازف الباص نسيم بلحسن ودعمتها جمعية "الجاز بتونس" ،بهدف إعلاء لواء الموسيقى الافريقية التقليدية وخاصة الموسيقى البدوية في الجنوب التونسي، احتفت بتراث الشمال الغربي وأضفت عليه روحا شبابية لم تطمس بعده التراثي.
على الركح، بثّ فوزي السوداني بعضا من روح الجنوب الذي ينحدر منه في الناي، وخلق وجدي بلحسن ايقاعا من الحماسة حينما التحم بالدرامز، وغازلت أنامل شكري الداعي الكلافيي فانبعثت نغماته رقيقة كنسمات الشمال الغربي، وأنشأ كل من نسيم بلحسن والتشادي برتران مايلر حوارا متمرّدا بين الغيتار والباص،  وخط محمود وعماد الرزقي ونادر طرشونة إيقاعات الفرح على الطبل والبندير.
النغمات البدوية ممزوجة بإيقاعات الجاز الغربي، راودت الحضور في قاعة المبدعين الشبان فأطلقوا العنان لأجسادهم ورقصوا على أنغام حملت ألوية الفرح، وتعانقت مع كلمات الأغاني التراثية التي صدحت بها حنجرة فوزي السوداني، الذي كان يراوح بين الغناء والعزف، أغان تعيد إلى الذاكرة الاعراس في أرياف تونس وطقوسها التي ترشح بساطة.
"سوج الحمام" و"لسود مقروني" "سعد ي شوشان" و"مرض الهوي قتالة" و"عجبني لسمر" و"شاش العقل"، أغان أعادت المجموعة توزيعها موسيقيا، ولكن فوزي السوداني ردّد كلماتها مع الحفاظ على اللهجة المحلية وغناء "القوالة" كما استمع إليها في رحلة البحث عن الموروث الغنائي التونسي.
وأنت تصغي إلى الألحان الموزعة بطريقة تمتزج فيها إيقاعات البندير والطبلة والزكرة والمزود والقيتار والدرامز والكلافيي والناي والباص، وتجول بعينيك بين الاجساد الراقصة على وقع " المزود" الذي داعبته أنفاس العازف أمين العيادي فانبعثت منه أنغام لا يمكن مقاومة اغراءتها، تصرخ النغمات البدوية "هنا تونس"، تونس الاهازيج والفرح.
 
المسيرة مستمرة..
 
وعن اختيار الموسيقى غير التجارية نهجا، قال صاحب فكرة المشروع الموسيقي " طرڨ"، إنّ المجموعة تبحث في التراث الموسيقي التونسي بمجهوداتها الخاصة ودون أي دعم بهدف الترويج للموسيقى البدوية في حلّة جديدة تكسر الحدود الجغرافية وتوصلها إلى مرحلة العالمية.
وعن توسيع المجموعة التي تستند إلى هدف التعريف بالموسيقى الافريقية وخاصة الموسيقى البدوية في العالم، أشار إلى انها تضم عازف غيتار افريقي، مشدّدا على أنذها منفتحة على كل العازفين وعلى كل الآلات الموسيقية، لان لكل آلة إضافتها، وفق قوله.
والعازفون الشبان الذين انخرطوا في مشروع " طرڨ"، لا يختارون الأغاني التي يعيدون توزيعها اعتباطيا بل الأمر قائم على عملية بحث مطوّلة من خلال التركيز على المناطق الجغرافية والاستماع على الأغاني التي يتم ترديدها في مرحلة أولى، وفي مرحلة ثانية ستشمل العروض الأغاني التراثية غير المسموعة أي تلك التي لم تحظ بالانتشار، وفق حديث السوداني لحقائق أون لاين. 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.