عرض “سمعنا يا ليل” لسيف الدين معيوف: في حضرة عمالقة الطرب التونسي

 محمد علي الصغير –

أبى جمهور المهرجان الصيفي "مرايا الفنون" بالقلعة الكبرى مساء الاربعاء 19 أوت 2020، الا أن يصفّق طويلا قبل مغادرة مسرح الهواء الطلق بدار الثقافة بالمكان تقديرا لما قدمه الفنان المبدع سيف الدين معيوف من وصلات فنية أطربت مسامع الحاضرين وأعادتهم الى زمن الفن الجميل وإعجابا بآداء هذا الفنان.
سيف الدين معيوف ابن مدينة القلعة الكبرى الذي ذاع صيته في العديد من الجهات وحتى خارج الوطن، رغم تقصير الاعلام الثقافي الوطني في متابعة نجاحات هذا المبدع المتفرد، تميّز الى أبعد الحدود عبر ارضاء الحاضرين بما قدمه من مقاطع موسيقية وأغان طربية لثلّة من فناني و"عمالقة" الزمن الجميل كالصادق ثريا ومحمد الجموسي وعليا وصليحة والشيخ العفريت وغيرهم.
معيوف… الفنان المتكامل…
لعلنا لا نجانب الصواب اذا قلنا أن هذا الفنان الذي ارتأى دخول عالم الفن لا من باب الموهبة فقط بل كذلك، وهو الأهم، من خلال مزاولة دراسته العليا بالمعهد العالي للموسيقى، يعتبر فنانا متكاملا اذ أنه يجمع بين موهبة الأداء بفضل امتلاكه لصوت ناعم ورقيق وموهبة العزف على أكثر من 15 آلة موسيقية تقريبا بنفس القدرة والمهارة مثل الساكسفون والقيتارا والقيتارا باس والبيانو والناي والبندير والباتري وغيرها.
ولم يخف جلّ الذين حضروا عرض البارحة انبهارهم الشديد بقدرة هذا الموسيقار الموهوب الحائز على الدكتوراه في العلوم الموسيقية على المراوحة بين الغناء والعزف على آلات موسيقية في الآن ذاته وهو ما يتطلب بالضرورة مجهودا بدنيا كبيرا وقدرة لا متناهية في تقسيط هذا المجهود والتحكم فيه بما يتلاءم مع كل أغنية أو مقطع موسيقي. ذلك أن سيف الدين معيوف استعمل في جل الأغاني التي أدّاها آلات "تستنزف" القدرات التنفسية مثل الساكسفون والناي بالإضافة الى أن هذه الأغاني تعتبر صعبة الآداء.  
فأغان مثل "بخنوق" لصليحة  و"تحت الياسمينة" و"مفتون بخزرة عينيها" للهادي الجويني و"خلي يقولوا اش يهم" لعليا و"كي يذيق بك الدهر" للصادق ثريا و"تمشي بالسلامة" لمحمد الجموسي و"سلسة والخال مواتيها" لأحمد حمزة و"في البريمة" للشيخ العفريت و"يا منيّرة" للهادي القلال تحتاج الى ملكات صوتية متنوّعة ومتفرّدة حتى يتمكن صاحبها من تأدية مثل هذه الأغاني على الوجه الأكمل وهو ما تمّ فعلا مع المتألق سيف الدين معيوف الذي حاول مع كل أغنية اضفاء لمسة خاصة زادتها سحرا وجمالا.
هذا العرض الذي استعان فيه معيوف بفرقة تتكون من أربعة موسيقيين بقيادة عازف الاورغ هيكل حمودة كان فرصة للجماهير لاكتشاف  مقتطفات من عرض "Targ’in" الذي يتكون من باقة من المعزوفات والأغاني التراثية على غرار الأغنية الشهيرة "ريت النجمة" أو "أنا صنعني صانع" وغيرها… وقد لاقى هذا العرض نجاحا كبيرا وتم عرضه في عديد المناسبات.
"وعلى محمّد"…
بمجرّد اعتلاء سيف الدين معيوف ركح مسرح الهواء الطلق بدار الثقافة بالقلعة الكبرى حتى انطلقت الجماهير في مطالبة ابن الجهة بتأدية أغنيتهم المفضّلة "وعلى محمّد". ذلك أن لهذه الأغنية التي تتغنى بالرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وقع ومكانة كبيرين في نفوس أبناء القلعة الكبرى اذ أنها من بين الأغاني الأكثر شهرة وتداولا بين الناس في الجهة.
وأغنية "وعلى محمّد" هي موصولة موسيقية خالدة من التراث الفني القلعي توارثتها أجيال وأجيال. وقد كانت هذه الأغنية التي عادة ما تؤديها فرقة نسائية تسمى بـ"الدغّة" وهي من مدينة سوسة في مفتتح جميع الأفراح والمناسبات السعيدة كالأعراس والختان وغيرها من اللقاءات. وتعتبر هذه الأغنية التي أداها سيف الدين معيوف بكل اقتدار وحنكة بعد أن قام باعادة توزيعها مضفيا عليها مسحة فنية جمالية من أقدم الأغاني في الجهة حيث كانت تؤديها فرق نسائية قلعيّة يطلق عليها اسم "الماشطات" من بينها فرقة "اللوّة" و"الكبّانية" وغيرها…
وفي تصريح لحقائق اون لاين أكد سيف الدين معيوف أن اختياره لهذه الأغنية يعود أساسا "الى رغبته في احياء ذاكرة المدينة الموسيقية عبر اعادة توزيع بعض الاغاني على غرار هذه الأغنية".
وتجدر الاشارة في هذا الصدد إلى أن معيوف قام بتسجيل هذه الأغنية التي يتم تداولها حاليا على مواقع التواصل الاجتماعي باسلوب One-man-band او ما يمكن تسميته "الرجل-الفرقة". وهو أسلوب "متعارف عليه كثيرا في اوروبا ومازال قليل الانتشار في تونس"، حسب الفنان سيف الدين معيوف.
وكما تشير اليه التسمية، يقوم الفنان بتأدية كل الأدوار من غناء وعزف على كل الآلات الضرورية على طريقة "One man show" في المسرح.  
عرض "سمعنا يا ليل" لسيف الدين معيوف الذي التأم في سهرة صيفية رائقة ضمن الدورة الخامسة لمهرجان مرايا الفنون بتنظيم مشترك من جمعية اشراق للثقافة والفنون ودار الثقافة بالقلعة الكبرى كان فرصة لجماهير الجهة لإعادة اكتشاف الموروث الموسيقي التونسي عبر تقديمه بأسلوب وبتوزيع أضفيا عليه مسحة من الجمالية والإحساس وهو ما يحسب لهذا الفنان الخلوق والهادئ.
ولعلنا لا نبالغ اذ قلنا أن هذا العرض بما تضمنه من محتوى فني راق ومرموق قد ساهم في تحقيق "المصالحة" بين الجماهير التي كانت حاضرة بأعداد محترمة وبين أغان تونسية كاد يلفّها النسيان بفعل تغيّر الأذواق وغزو أنماط موسيقية هجينة نجحت في ترذيل المشهد الفني و"تتفيهه" وتلويث الذوق العام.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.