عرض “المرقوم”: احتفاء بالهويّة وبالمرأة

هبة حميدي-

هزّت نسائم الموسيقى الفلكلوريّة ليلة امس الثلاثاء 5 جوان 2018، قاعة السينما “الرّيو” بالعاصمة خلال عرض”المرقوم” وتمايل الحضور منسجما مع عرض فرجوي أتقنته اجساد منحوتة متناسقة مع ايقاع الموسيقى، وزادت الاضواء التي تختلف الوانها من عرض الى اخر من جمالية المشهد.

عرض “المرقوم” مستوحى من المنتوج التقليدي التونسي،وهو مزيج من فن النسيج والرسم على الصوف، يستعمل  كسجاد وزرابي، وترجع أصوله للعرب والأمازيغ ويصنع في تونس فقط، وذلك عبر زخارف معينة الزوايا  تتشابه قليلا مع صور المصريين القدامى على الجدران في عصر الفراعنة، وتعرف به خاصة مناطق قفصة والجم ووذرف والقيروان، ويختلف عن “الكليم” الذي يعرف لدى سكان مناطق الشمال الغربي بتونس،  ويستعمل فيه الصوف والمنسج والمغزل والمواد التقليدية الاخرى.

وضمّ عرض المرقوم غناء تراثيا وبرز صوت أحد المغنين مستعرضا الاهازيج البدويّة الخالدة، غير أنّ الحضور أبى أن يكون محايدا، اذ تعالى التصفيق والهتاف والزغاريد التي صاحبت اغنية “هزِّي حرامك و خمريك .. عل الوشمتك هبَّلتني لا مال و لا باش نشريك .. غير كلمتك حصّلتني نا عييت من المشي و الجي .. و لا حد خذالي بالخاطر جرالي كي عسكر البَي .. عسّاس تحت القناطر “، اغنية من التراث تمايلت لها الاجساد وصفقت لها الايادي بحرارة.

وانسجاما مع العرض الموسيقي وُضعت شاشة كبيرة خلف فرقة “المرقوم” في قاعة العرض، توسّطتها سيدة مسنّة احتضنتها الطبيعة النائية وأكل منها العمر وغيّر في تقاسيم وجهها الكثير، ظهرت السيدة وهي تحمل “القرداش” لتمشيط الصوف، وظهرت مرة أخرى وهي تحمل “المغزل” ومرة ثالثة وهي تجلس قبالة “سداية”، انها على وشك خلق مادة جديدة، متعددة الرؤى يمكن ان تكون هدية تفرح بها عزيزا أو عملا توفر به رزقها او إنتاجا مخلّدا للذاكرة التونسية تؤثث به المعارض والمتاحف، إنها صناعة المرقوم في مختلف أبعادها.

وتضمنت الشاشة أيضا صورة لشابة يافعة جميلة بدت أصيلة العمق التونسي عبر “تقريطة” تونسية زينت بها شعرها وكحل رسم دقة نظرتها وأحمر شفاه  بارز كالالوان التي تزيّن “المرقوم” التونسيّ، ظهرت الصبية وهي تحمل وشما في شكل الصور التي ترسم على المرقوم، وكأن العرض كان احتفاء بالمرأة التي تعصر كل جهدها “لتخلق” منتوجا تونسيا يعبر عن الهويّة.

وأمام جمال الصورة، خرج صوت جهوري يشق الصخور التي ضهرت في الشاشة،انه ما يعرف بـ”طرق الصيد”، وهو عبارة عن حوار ثنائي موسيقيّ، ظهر فيه كهل يتغنى ويتفاعل مع الكلمات فتارة يميل يمنة وتارة ينبطح أرضا، لتجيبة سيدة مسنة بكلمات لا يمكن فهمهما وانما ويمكن الشعور بها.

وحسب روايات الاجداد فإنّ غناء “طرق الصيد” مأخوذ من زئير الاسد الذي وجد في مناطق شمال افريقيا، وكان متساكنو تلك المناطق يردون عليه بصوت شبيه بالزئير لإبعاده، وتطور شيئا فشيئا ليصبح الغناء بطريقة “طرق الصيد” عبارة عن التأوه والألام.

وفي مشهد آخر من العرض قدّم عدد من الشبان والفتيات رقصة منسجمة مع الغناء، الكل تابع العرض الفرجوي بانتباه، لانه خرج عن المألوف نوعا ما، اذ في العادات التونسية يغني الرجل وفريق من النسوة يرقصن، لكن هنا اختلف الأمر، فقد غنّت سيدة تلألأت في ثياب جوهرية ورقص 4 شبان على نغمات العرض.

في ركن آخر من قاعة “الريو” ظهر الشباب والصبايا يرقصون وانتهى العرض باعتراف بجميل المرأة في حفر الذات والهوية والابداع، اذ بقيت الصابايا واقفات وكأنهن يلامسن السماء عزّة وشموخا، في حين ظلّ الشبان مستوين مع الارض في نهاية الرقصة وكأنهم يلامسون محبّتهنّ وحنانهن ومعبرين عن فخرهم بهنّ.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.