صلاح الدين الدريدي: عدّة هنات في كلمة المشيشي.. وأمية اتصالية لمسؤولي الدولة

 مروى الدريدي-

أطلّ رئيس الحكومة هشام المشيشي ليلة الأمس عبر كلمة إلى الشعب مُعلنا فيها عدّة اجراءات للحدّ من الانتشار السريع لفيروس كورونا.
اجراءات اعتبرها كثيرون دون المأمول ولن تنجح في الحد من عدوى الفيروس، وكلمة وصفوها بالمخيبة للآمال ولم ترتق إلى مستوى خطورة الوضع الوبائي بالبلاد.
 
وعن تقييم الظهور الاعلامي لرئيس الحكومة زمن الأزمة شكلا ومضمونا، اتصلت حقائق أون لاين بالخبير في الاعلام والاتصال والعلاقات العامة الدكتور صلاح الدين الدريدي، الذي تطرق إلى عدّة هنات في الخطاب كان لها اثر سلبي على الجمهور المتلقي.
 
ايجاز ورتابة في النبرة والوتيرة 
 
لاحظ الدكتور صلاح الدين الدريدي أن من أبرز الهنات في خطاب رئيس الحكومة هو رتابة النبرة والوتيرة، منذ بداية الحوار إلى نهايته، إذ أنه من أهم عوامل نجاح الخطاب سواء كان سياسيّا أو اجتماعيّا أو عاطفيّا، هو التغيير والمراوحة والتنويع في النبرة وفي الوتيرة.
 
وواصل صلاح الدين الدريدي بالقول: إن الأصل في البلاغة الايجاز شرط ان يكون الايجاز كاملا وفيه كل معاني اللحظة والفكرة، وإلا فإنه سيتحول إلى ايجاز مُخلّ، وايجاز رئيس الحكومة في كلمته ايجاز مخل حيث كان سريعا في الكلام ما يدل على أنه يريد لكلمة ان تنتهي بسرعة".
 
وأوضح محدثنا أن الايجاز في الخطاب لا يكون إلاّ في اللحظات العصيبة جدا وفي كُبرى الازمات أو الطامة التي ألمت بالمجتمع والتي لا مجال فيها للحديث المطوّل أو التوسع فيها، كأن يخرج مسؤول لبضعة دقائق لالقاء كلمة وجيزة جدا وهو أمر مقبول، لكن ما حدث أن الجمهور ليلة أمس كان ينتظر بلهفة كلمة رئيس الحكومة، خاصة مع الكفاءة الاتصالية المحدودة جدا لوزير الصحة وموجة ثانية من الوباء أخافت الجميع، إلا أنه لم يشبع غليل هذا الجمهور.
 
وخلص صلاح الدين الدريدي إلى القول إن الايجاز مع الرتابة في النبرة وفي الوتيرة كان لها وقع سلبي على الجمهور.
 
"لا يهوى الخطاب والمواجهة"
 
واعتبر الدريدي أن رئيس الحكومة من السياسيين الذين لا يهوون الخطاب والمواجهة ولا يبحثون عن الاعلام ولا يخيرون الكلام، متصوّرا "أن ينهي المشيشي عهدته ولا نراه في حوار صحفي الا اذا اقتضت الضرورة ذلك لانه ليس ممّن يخيرون الكلام والخطاب ولا يحبون المواجهة الاعلامية ويضيعون في جدلية السؤال والجواب".
 
وتطرق الدكتور صلاح الدين الدريدي، إلى النص الذي ألقاه رئيس الحكومة والذي كان مكتوبا، قائلا: "في الخطاب السياسي تكون جميع النصوص مكتوبة، لكن السياسي يجب أن يتعلم كيف يرتجل ويجب ان يعطي الانطباع على انه مرتجل وهذا ما لم يحدث مع رئيس الحكومة، مما جعل الجميع يلاحظون أنه يقرأ نصا مكتوبا أمامه، بينها الارتجال صنعة يجب أن يحترفها"، مستشهدا بمقولة لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل تفيد بأنه ألقى خطابا مرتجلا أعيدت صياغته ثلاث مرات، "Un discours improvisé a été réécrit trois fois".
 
 
كما بيّن أن رئيس الحكومة لم يمرّر أي عاطفة للجمهور المتلقي والحال أن الجانب العاطفي من معايير الحكم على الخطاب، وخطاب المشيشي تميز بالبرود والجمود.
 
80 بالمائة من الاجراءات معلومة
 
أمّا عن مضمون كلمة رئيس الحكومة، قال صلاح الدين الدريدي: "إن 80 بالمائة من الاجراءات التي أعلن عنها هشام المشيشي معلومة وكانت متوقعة، والاشكال هنا يكمن في شكل المضمون حيث انه قام بخلط الاجراءات المعلومة بالجديدة، حيث كان يفترض به أن يبدأ بالاجراءات الجديدة مثل منع التظاهرات والتجمعات واقرار العمل بنظام الحصة الواحدة ثم يقدم الاجراءات الجديدة.
 
ولفت محدثنا إلى أنه "لو لم يتكلم هشام المشيشي واكتفى بنشر بلاغ على الصفحة الرسمية لرئاسة الحكومة ما كنا لنخسر شيئا".
 
وقدم الدكتور صلاح الدين الدريدي مقترحا للحد مما وصفها بـ"الأمية الاعلامية والاتصالية المستفحلة لمسؤولي الدولة"، بدءا بالرئاسات الثلاث الى الحكومات والولايات والبلديات، وامام العجز المهني للطواقم الاعلامية والاتصالية"، يتمثل في "انشاء مدرسة، على غرار المدرسة الوطنية للادارة، تهتم بتأهيل اطارات الدولة في تقنيات الاتصال والتواصل.
 
وبين أنه "يمكن تحويل المركز الافريقي لتدريب الاتصاليين -الذي فقد دوره وأفل نجمه بعد الثورة- إلى مركز تدريبي نموذجي في هذا المجال، مشددا على أنه "من أسس الديمقراطية جودة الاتصال والتواصل بين الحاكم والناخب والمواطن دافع الضرائب".

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.