استهلت صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية مقالها الافتتاحي عن تونس بوضعها كنموذج للربيع العربي وجب أن يحتذى به في منطقة الشرق الأوسط على الرغم من الهجوم الإرهابي الأخير بمتحف "باردو" وسط العاصمة .
وقالت الصحيفة التي تعد الرابعة من حيث التوزيع في الولايات المتحدة بعد واشنطن بوست ونيويورك تايمز..انّ الهجوم الإرهابي المأساوي الذي وقع على متحف باردو الوطني بتونس يضعها على الخارطة من جديد، وعلى الرغم من أنّ تونس تواجه تهديدات إرهابية خطيرة، فمن المهم ألا يترسخ انطباع لدى الغرب أن الربيع العربي فشل فيها ووضعها على شفا السقوط.
وهذا هو محتوى المقال معرّبا:
" بدلاً من اعتبار تونس دولة فاشلة على حافة السقوط، ينبغي أن ندرك أنه يمكنها أن تقدم نموذجا مختلفا تماما للشرق الأوسط، ذلك النموذج الذي يقيم التعددية والتنمية والعازم في الوقت نفسه على مكافحة الإرهاب.
ومن المؤكد أن تونس لديها طريق طويل تخوضه لترجمة مثل تلك التطلعات لواقع، وإذا مررنا بشوارع بتونس سنجد العشرات من المنازل غير مكتملة البناء وذلك ما يميز المزاج العام في البلاد بشكل كامل وهو أن تونس لديها ثورة نصف مكتملة.
على الرغم من ذلك، فإن هناك حس من التفاؤل بأن أولى دول الربيع العربي هي الوحيدة التي تكمل بنجاح عملية الانتقال الديمقراطي والسياسي، فالانتخابات البرلمانية والرئاسية التي أجريت أواخر العام الماضي أدت لتشكيل حكومة ائتلافية شاملة سيطر عليها حزب "نداء تونس" العلماني و حركة النهضة الإسلامية.
وبالرغم أن النهضة لديها مقعد واحد في الوزارة، وافقت على الانضمام للحكومة بدلا من أن تظل حركة معارضة، ويرجع الفضل في ذلك للدروس التي تعلمتها الحركة من الدور "الكارثي" للإخوان المسلمين في مصر، لذا فقد قررت تقديم مرشح في الانتخابات الرئاسية.
العملية السياسية في تونس لا تزال هشة، على الرغم من وجود العديد من الشقوق والتصدعات داخل الفصائل الأيديولوجية والسياسية المتنافسة، لكن نجاح الانتخابات يفتح الباب أمام قادة تونس الجدد للقضاء على الانقسامات والعنف والتحرك نحو النمو والتنمية، كما أن العديد من التونسيين مغرمون بالقول "هذه لحظتنا"
هناك شعور يتمثل في أنه إذا لم يستغل التونسيون اللحظة الحالية، فربما لن يستطيعوا العودة مرة أخرى لنفس المسار، ولسوء الحظ فربما يكون ذلك السبب نفسه الذي يجعل هذا البلد هدفا جاذبا للمتطرفين المعارضين للديمقراطية والتنمية.
ويأمل التونسيون في أن توفر لهم عملية الانتقال السياسي السلمي فرصة لتغيير الأمور بعد اضطراب على مدار أربع سنوات، وإذا تجولنا وسط العاصمة ونظرنا إلى البنية التحتية المتداعية، يتولد لدينا شعورا بأن كل شيء قد تم إرجاء النظر فيه، لكن التونسيين على استعداد للعودة إلى الحياة الطبيعية وتحفيز التنمية والنمو وسيكون من المؤسف أن يضع الهجوم الإرهابي الأخير تقدمُها قيد التنفيذ.
وعلى الرغم من التفاؤل، ثمة مخاوف واسعة النطاق من أن يتم تعليق انجازاتها السياسية إذا لم يصل قاداتها بسرعة إلى الشعب، فتونس قامت بثورة سياسية لكن ثورتها الاقتصادية لم تبدأ، والشيء الأكثر أهمية هو أنه دون تقدم اقتصادي واستثمار، سيكون من الصعب جني مكاسب سياسية وبناء ديمقراطية دائمة في العالم العربي.
التحديات أمام تونس هائلة، فالبطالة لاتزال أعلى مما كانت عليه قبل ثورة 2011 ووصلت إلى 40% في الأجزاء الأقل تطورا وتميزا في البلاد، والمباني الاقتصادية القديمة، التي تسيطر عليها الدولة، لا تزال في مكانها مع استمرار المخاوف من الانتاجية القليلة والفساد، فضلا عن مخاوف أخرى حيال الاستقرار وهو الأمر الذي يؤدي لتهديد الاستثمار، وحتى قبل هجوم باردو، فإن انعدام الاستقرار في ليبيا والمخاوف من التهديدات المتشددة للداخل جعلت الأمر صعبا لجذب المستثمرين والسائحين.
أما على الصعيد الأمني، فإن نشوء التهديدات الداخلية والخارجية بات أكبر عن أي وقت مضى، ما يتطلب إعادة هيكلة قوات الأمن التي لم تتطور منذ الثورة، وإدخال تعديلات على قطاع الأمن سيتطلب تحقيق التوازن بين المخاوف الأمنية والحفاظ على المجتمع المدني والحريات الأساسية، وهذا التوازن سيصبح أكثر صعوبة فقط في أعقاب هجوم باردو، حيث ستتحول الأولوية حتما نحو الاستقرار.
لذا، فإن تونس تواجه لحظة حرجة، وقادتها يدركون أنهم بحاجة لاستغلالها بشكل صحيحة، والولايات المتحدة والمجتمع الدولي بحاجة لاستغلالها أيضا بشكل صحيح، وهذا يعني أنه في حال أجرت تونس إصلاحات مالية واقتصادية، فإن واشنطن ستساهم في تحفيز النمو والاستثمار في هذا البلد.
تونس أمامها صيد تظهر من خلاله أن نموذجا مختلفا من الممكن أن يحقق نجاحا، نموذج من الشمولية والتسامح والرخاء الاقتصادي، وأمامها الكثير من العمل.
ولايوجد شيء يمكنها الوقوف في وجه تشدد تنظيم داعش أو التنظيمات المسلحة الأخرى سوى نموذج بديل فعال، الولايات المتحدة تستمر في الاعتماد على الأدوات العسكرية على حساب الركائز السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط، لكن تونس توفر فرصة لإجراء تسوية بين الوسيلتين واﻵن فقد حان الوقت لمساعدة تونس على النجاح."