شح الأمطار على تونس يحرم فلاحي "تبرسق" من "زيت الزيتون"

بخلاف السنوات الماضية، يتوقّع أن تسجل بيوت التونسيين لهذا العام نقصا في مخزونهم السنوي من زيت الزيتون، بعد أن تأثر المحصول بشحّ الأمطار خاصة في المناطق الساحلية والجنوبية للبلاد، فضلا عن جملة من المشاكل التي يعيشها "فلاّح الزيتون".
تونس التي تتميز بكونها من أهم بلدان العالم من حيث الإنتاج، والاستهلاك لزيت الزيتون، الذي يحظى بمكانة متميّزة في عمق العادات الغذائية والاجتماعية للتونسيين، تتوقع قطاعات الزراعة الرسمية فيها انخفاضا في إنتاج الموسم الجديد (2013 – 2014 )، من زيت الزيتون، قد يصل إلى 70٪.

ووفق تقديرات وزارة الفلاحة التونسية فإن الإنتاج الإجمالي لزيت الزيتون ينتظر أن يبلغ 75 ألف طن، مقابل 225 ألف طن في الموسم الماضي، أي بتراجع في حدود 150 ألف طن، وهو ما يعادل 70 %.

ومنذ العهد القرطاجني، والروماني، وتونس تمثل "سلة غذاء" من زيت الزيتون، لمختلف ضفاف البحر الأبيض المتوسط، بفضل اهتمام سكّانها بغراسة الزيتون، وتفنّنهم في تحويله إلى أنواع مختلفة من الزيوت وتصديره.
تنقلنا إلى مرتفعات بالشمال الغربي للبلاد (محافظة باجة) وحططنا الرحال بمدينة "تبرسق" الفلاحية، حيث يعتقد وجود أجود أنواع زيت الزيتون المنتج في البلاد، وحيث تحظى زراعة الزيتون بثقافة تعود الى العهد القرطاجني، والروماني، لما كانت تسمى المدينة بـ"توبورسيكوم" Thubursicum".

العين تلمح بدقّة أن أغلب غابات الزيتون (تعود إلى مئات السنين) بـ"تبرسق" تنتشر في الهضاب، والمرتفعات، وكأنها تراقب في شموخ سهولا واسعة، من القمح، والشعير، والخضروات، كانت تسمّى قبل ألفي عام بـ"مطمور روما".

 رئيس بلدية "تبرسق" عبد الرحمان بن طاهر، أكّد  تسجيل تراجع "متوقّع" في محصول الزيتون هذا العام يقدّر بحوالي "40٪" مقارنة بالموسم الماضي نظرا لانحباس الأمطار، وهو ما اعتبره "تراجعا يظلّ معقولا، رغم شدّته مقارنة بالمناطق الساحلية والجنوبية للبلاد، والتي أثّر الجفاف على إنتاج الشجرة فيها ".

التقرير السنوي لوزارة الفلاحة (الزراعة)، والصيد البحري التونسية، يشير إلى أنّه تم تنفيذ برنامج لري غابات الزيتون، في ظل موسم الجفاف الماضي، وشمل حوالي 4 مليون أصل (شجرة) بمحافظات الجنوب والوسط على وجه الخصوص.

وتغطي شجرة الزيتون ثلث المساحة المزروعة في تونس بما يمثل أكثر من 1.7 مليون هكتار، مقسّمة بين غراسات مخصصة لإنتاج زيت الزيتون (حوالي 95٪)، ومساحات أخرى لانتاج "زيتون الطاولة"(مخصص للأكل).
ويتجاوز العدد الإجمالي لأشجار الزيتون بتونس 60 مليون شجرة وتتوزّع الغابات على مناطق الشمال (22٪)، والوسط (46٪)، والجنوب (22٪)، في حين تقدّر مساحة غابات الزيتون بـ"تبرسق" بحوالي  4250 هكتارا منها  290 هكتارا مخصّصة لانتاج "زيتون الطاولة"، والذي يطرح بالأسواق المحليّة، ويصدر منه إلى أوروبا.

خلال هذه الفترة من كل عام (15 نوفمبر/ تشرين الثاني – 15 فبراير/فيفري)، ومع بدء موسم جني ثمار زيت الزيتون، يبلغ النشاط التجاري، والفلاحي، ذروته في شوارع "تبرسق" وعلى حدود غاباتها.
الشاب محمد (32 عاما)، يمتهن تجارة زيت الزيتون، التقته الأناضول أمام باب معصرة "النور" في "تبرسق" قائلا: "أشتري الزيتون من الفلاّحين، وأقوم بعصره، وبيعه للتجار، في داخل تونس، أو لشركات التصدير إلى الخارج".
وأرجع "محمد" ارتفاع سعر لتر زيت الزيتون هذا الموسم إلى انخفاض محصول هذا العام في ظلّ تزايد الطلب المتنامي على "زيت زيتون تبرسق المميّز". (حوالي 4500 دولار للتر الواحد).

معصرة "النور" هي الأكبر والأكثر حداثة (مصنعة في تركيا)، من بين 12 معصرة في "تبرسق" (تمتلك 42٪من معاصر محافظة باجة التي تنتمي إليها تبرسق، وتنتج يوميا 400 طن من زيت الزيتون)، وتمثّل قبلة لعدد كبير من الفلاّحين، وتجار زيت الزيتون، الذين يتعاملون مع شركات التصدير إلى الخارج، والتي تفرض على المصدرين، مواصفات جودة خاصة في المنتج".

أغلب أهالي تبرسق، يفضلون المعاصر التقليدية التي تعتمد على تقنية  "الضغط" على "الشوامي" (عبارة عن أكياس دائرية من الحلفاء (نبات عشبي، من الفصيلة النجيليّة)، يضعون فيها عجين الزيتون، ويقع الضغط عليه لفصل الزيت عن العجين)، لاستخراج ما يستهلكونه من زيت ( يقع تخزينه للموسم اللاحق).

لكنهم يفضّلون المعاصر "العصرية"، في استخراج زيت زيتون المخصص للبيع والترويج نظرا لـ"سرعة عملية التحويل وانخفاض التكلفة"، بحسب ما أكده جلال السياري صاحب معصرة "النور" العصرية.
رئيس الاتحاد المحليّ للمزارعين أنيس بن طاهر أرجع تميز وجودة زيت زيتون "تبرسق" إلى شجرة زيتون "الجربوعي" بالمنطقة، وهو نوع معمّر تعود جذوره إلى أصل الحقبة القرطاجنية والروماني.

ويقدّر عمر أكبر شجرة زيتون في تبرسق بأكثر من 1200 سنة، تتواجد بالمنطقة الأثرية "دقّة"، قرب الضريح الشهير لـ"آتيبان بن أبتيمتاح، أحد أمراء نوميديا الذي عاش في القرن الثالث إلى القرن الثاني قبل الميلاد، حيث مازالت المدينة الأثرية قائمة بمسرحها الروماني، وحماماتها، ومعبدها المميز (الكابيتول)، الذي يمثّل العلامة المميّزة لعلب زيت تبرسق.

رئيس الاتحاد المحليّ للمزارعين قال إن زيت زيتون "تبرسق" اختير مؤخرا بحسب معهد "البحوث البيولوجية" بمنوبلبيه الفرنسية، الزيت الأجود، في منطقة البحر الأبيض المتوسط (حوالى 22 دولة)، وذلك نظرا لاحتوائه على أقل نسبة كوليسترول (مادة دهنية) في العالم (8٪)، ولاحتوائه على درجة مرتفعة من مادّة "الأويميغا 3" (حمض دهني يخفض  الكوليسترول).

ولفت أنيس بن طاهر إلى أن مراكز بحوث يابانية، وألمانية، وصينية، وفرنسية، بدأت منذ 8 سنوات إرسال وفود بحثية، لمعرفة خصائص زيتون "تبرسق" بأنواعه المختلفة، وأشارت الدراسات الأوّلية إلى أن زيت تبرسق قد يمثّل علاجا لسرطان الدم، وعدد من الأمراض الأخرى، بحسب تأكيدات أنيس.

هذا الموسم، وبالتنسيق مع تعاونية "زيت زيتون تبرسق"، سيشهد لأول مرة دخول حوالي 5 أطنان من "زيت زيتون تبرسق" للسوق الفرنسية، بعد حصوله على علامة "لابيل" للجودة.

وتصدر تونس – ثاني مصدّر لزيت الزيتون في العالم بعد الاتحاد الأوروبي- بمعدّل 165 ألف طن سنويا إلى أسواق أوروبا وأمريكا، واليابان، والخليج العربي، وأستراليا، وروسيا.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.