شبهة تورّط “أوكسفام” في الدعارة ليست مفاجأة: جمعيات خيرية عالمية والأمم المتّحدة متورّطة أيضا

ترجمته من الإنقليزية: سناء المكّي

أثناء رحلتي الأولى إلى كوسوفو في عام 1999،  أبلغني سائقي أن عددا من بيوت الدعارة يجري بناؤها بالقرب من المنطقة التي يستقرّ بها عدد من الجمعيات الخيرية ومنظمات الأمم المتحدة لأن الكثيرين من الرجال المتمركزين هناك كانوا من مستخدمي البغاء المكثّف. وكان هذا على الرغم من أنهم يعملون على استراتيجيات مكافحة الاتجار بالبشر.

تحديدا عندما اعتقدت أن رأيي في جماعات الضغط المؤيدة للبغاء لا يمكن أن يزداد احتقارا لها، قرأت تغريدة أحدهم عن فضيحة أوكسفام: “شراء الجنس من المهنيين لا يعتبر سوء سلوك جنسي والنساء في “هايتي” ربّما يكنّ سعيدات بحصولهن على هذا العمل في تجارة الجنس. أنا أكره تعفّف هذه المؤسسات و كلامها الفارغ   الذي يشير ضمنا إلى أن عمال “التنمية” هم الأكثر أخلاقية أو قدّيسون∙”

هنا مربط الفرس. إنها  الفكرة القائلة بأن النساء المتورطات في البغاء في “هايتي” يستفدن بطريقة أو بأخرى من شرائهنّ و بيعهن من قبل الرجال أنفسهم  الذين يفترض بهم  أن يساعدوهنّ على تجاوز صعوبات المعيشة.

لنر معا ما قد يدافع عنه هذا الشخص. اعترفت المديرة القطرية لمنظمة أوكسفام في هايتي، رولاند فان هورميرن، باستخدام الإناث البغايا في أماكن تتولّى المنظمة دفع تكاليفها . وقد يكون الأطفال من بين الذين تعرضوا لسوء المعاملة من قبل فان هورميرن و عمال إغاثة آخرين . وقد حدث ذلك بعد الزلزال الذي وقع في عام 2010، والذي أسفر عن مقتل 220،000 شخص، وإصابة 300،000 شخص، وترك 1.5 مليون شخص دون مأوى∙

وهناك ادّعاءات أيضا بأن بعض كبار المسؤولين  الذكور في هذه المؤسسة الخيرية كانوا يستخدمون النساء والفتيات المشتغلات  بالبغاء في “التشاد” في عام 2006. ويعتبر كثير من الرجال العاملين في البلدان النامية أن استخدام المرأة بهذه الطريقة “من أفضل مميزات هذا العمل”. ونحن نعلم أن كثيرا من أسواق الجنس في بلدان مثل “الفلبين” موجودة بسبب وجود العسكريين وما يسمّى ب”حفظة السلام”∙

يسمح هؤلاء الرجال بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. فهم حرفيا يؤيدون  نظاما يسبب البؤس ووجع القلب للنساء والأطفال. وقد وقعت حالات عديدة من الاعتداء الجنسي على الأطفال والاتجار بالبشر داخل دور الأيتام في “هايتي” بعد وقوع الزلزال، وتحدثت بعض الشابات عن اليأس والفقر اللّذين دفعا بهنّ إلى بغاء الشوارع∙

وحيثما يوجد نزاع وكوارث طبيعية وفقر مدقع، فإن النساء والأطفال سيرغمن على البغاء. ويستهدف المتاجرون بالجنس بلدانا مثل “هايتي”، و ذلك لمعرفتهم  بأنه سيكون هناك غنائم ثمينة ، لأن النساء والفتيات سيكنّ مستضعفات أكثر∙

لقد عايشت فضائح  كهذه من قبل. في عام 1999، أثناء رحلتي الأولى إلى كوسوفو، بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب، أخبرني سائقي أن عددا من بيوت الدعارة يجري بناؤها بالقرب من المنطقة التي يستقرّ بها عدد من الجمعيات الخيرية ومنظمات الأمم المتحدة، لأن الكثير من كان الرجال المتمركزين هناك كانوا من طالبي البغاء المكثّف . ورأيت عددا من الرجال يدخلون إلى هذه البنايات ويغادرونها، على الرغم من أن العديد  منهم كانوا هناك لتقديم المشورة إلى المكلفين بإنفاذ القوانين المحليّة بشأن استراتيجيات مكافحة الاتجار بالجنس.

وأذكر أيضا الفضيحة التي اندلعت عندما رفعت كاترين بولكوفاتش، وهي مراقبة ضمن فرقة عمل الشرطة الدولية التابعة  للأمم المتحدة  في “البوسنة” و”الهرسك”، دعوى قضائية ضد أرباب عملها بسبب الفصل التعسفي عندما فقدت عملها في عام 1999 بعد أن أفادت بأن ضباطا كانوا يدفعون مقابل ممارسة الجنس ويغتصبون فتيات قاصرات، ويشاركون في الاتجار بالجنس. كنت في “البلقان” عندما ظهرت القصة لأول مرة ، وتحدثت إلى عدد من مسؤولي الأمم المتحدة حول هذا الموضوع. وكثير من الرجال الذين تحدثت إليهم  قاموا إمّا بتبرير سلوك المسؤولون  الذين يدفعون مقابل ممارسة الجنس، مشيرين إلى أنهم كانوا بعيدين عن المنزل لفترة طويلة و”بحاجة إلى الجنس” ، وإمّا باتّهام “بولكوفاتش” بالكذب.

قام “ديفيد لامب”، وهو ضابط سابق في شرطة “فيلادلفيا” عمل كمحقق في مجال حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في البوسنة حتى عام 2009، بالتحقيق في مزاعم تفيد بأن ستة من الضباط الرومانيين والفيجيين والباكستانيين المتمركزين في مدينة “بيه لينا” (البوسنة والهرسك) كانوا يتاجرون بالنساء لممارسة الدعارة∙

وجد “لامب” الكثير من الأدلة لتبرير تحقيق جنائي شامل، وواجه تهديدات جسدية وعرقلة من قبل رؤسائه، بما في ذلك ضابط شرطة أوكراني كبير أمر بإيقاف التحقيق∙

إن تجارة الجنس مبنية على الاستعمار والعنصرية، فضلا عن كراهية النساء. وسواء كان التمثيل المفرط للفتيات والنساء من أصل أفريقي في البغاء في الولايات المتحدة أو استهداف النساء والفتيات من السكان الأصليين والمحليين في بلدان مثل أستراليا ونيوزيلندا وكندا، فمن الواضح أن الرجال البيض الأغنياء والأقوياء يعتبرون استخدام هؤلاء النساء والفتيات كسلع “حقا لهم”∙

ومن المفترض أن تضع منظمة “أوكسفام” النساء والأطفال المعرضين للخطر في صدارة الاهتمام في جميع الجهود التي تبذلها، ومع ذلك يبدو أن بعض كبار المسؤولين الذكور في المنظمة قد فعلوا عكس ذلك. ولا ريب أنّها فضيحة أن يبرّر المدافعون عن البغاء سلوك هذه “الحيوانات الجنسية المفترسة الخبيثة” بالقول إنّ النساء والفتيات اللاتي يتورّطن في تجارة الجنس قد مارسن حقّهنّ في “الاختيار”، أو أنهن “محترفات” يؤدّين ” عملا “. والواقع أنّ هؤلاء النساء والفتيات يتعرّضن للإيذاء والاستغلال من قبل الرجال الذين يفترض بهم تقاضي رواتب ضخمة لقاء جعل حياة هؤلاء النساء أقل فظاعة∙

و يتعلّل مؤيّدو  تجارة الجنس بالرجال، الذين يستأجرون أجساد النساء لقاء متعتهم الجنسية أحادية الجانب، يسدون بطريقة أو بأخرى معروفا لصالح ضحاياهم لأن النقود التي ستقع بين أيديهنّ ستكون ملكا لهنّ. لكن في الحقيقة، وكما قالت صديقتي وزميلتي المقربة والكاتبة الرائعة والناجية من تجارة الجنس “راشيل موران” ردّا على “الليبراليين البيض” الذين يدّعون أن دفع المال مقابل الجنس هو أمر مقبول لأنه يوفر دخلا للنساء الفقيرات: “ما رأيكم ، إذا كان الرّجل غير قادر على إيجاد ما يكفي من الغذاء لإطعام نفسه؟ أليس الشيء المناسب ليوضع في فمه هو الطعام، وليس “أشياء أخرى”؟

*نشر المقال الأصلي بموقع “الإندبندنت”:

http://www.independent.co.uk/voices/oxfam-prostitution-charity-aid-workers-haiti-un-peacekeepers-a8206646.html

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.