يسرى الشيخاوي-
"سيب العروض" وسم يقفز من بين التدوينات على موقع الفايسبوك يوشّح به مسرحيون وناشطون في الحقل الثقافي تدويناتهم، في ردّ على القرار المتسرّع والمرتجل الذي أعلنه، أمس، رئيس الحكومة هشام المشيشي.
ولعل هذه العبارة هي الأنسب لعنونة هذا المقال، ولعلّها أوّل الخيط الذي يراجع من خلاله رئيس الحكومة قراره ويتوقّف وكل من والاه عن تهميش القطاع الثقافي وجعْله شماّعة يعلّقون عليها فشلهم في تطويق الأزمة الصحّية.
وفي الوقت الذي تلغى فيه التظاهرات الثقافية لمدّة أسبوعين تواصل الملاهي الليلية والمطاعم والمقاهي أنشطتها، وليس في ذلك دعوة لغلق هذه المحلات وإنّما تبيان لتناقض رئيس الحكومة وعراء قراراته- إن صح التسمية- عن كل منطق.
وفي الضفة الأخرى يتراص المواطنون في وسائل النقل العمومية دون الإعلان عن أيّة إجراءات لتكثيف أسطول الحافلات أو المترو الخفيف، ولكن يبدو ان عدوى كورونا لا تنتشر إلا في التظاهرات الثقافية.
وكلمة رئيس الحكومة كانت جوفاء إلا من القرار المتعلّق بإلغاء التظاهرات الثقافية ووأد تظاهرة "الخروج إلى المسرح" التي انطلقت يوم الجمعة، قرار يذرّ به الرماد على العيون يضحك على الذقون دون ان يراعي حق العاملين في هذا المجال في العمل وفي الحياة.
الأدهى أن المشيشي لفظ هذا القرار دون ان يرفقه بحلول أو بدائل تضمن للمتضررين منه حقّهم في العيش الكريم خاصة وأن البعض منهم يجنون قوتهم من العمل في التظاهرات فقط.
والأمرّ أن هذا التمييز والاعتداء الذي طال حق هذه الفئة في الحياة -الجوع أحد وجوه الموت وهو مصيرهم إن لم يعملوا- صار على مرأى ومسمع من وزارة الشؤون الثقافية التي اكتفت بنقل القرار على صفحتها بالفايسبوك دون تفاعل يُلمح.
ولم يلبث مسرح الأوبرا أن أعلن عن تأجيل بقية عروض تظاهرة " الخروج إلى المسرح"، امتثالا لقرارات رئيس الحكومة وبعد التنسيق مع سلطة الإشراف وأطراف متداخلة وكأن الهروب من المواجهة خيار محتوم في ظل غياب استراتيجية واضحة لإدارة الأزمة.
الموجع أن بلاغ مسرح الأوبرا لفت إلى المجهود المبذول في احترام البروتوكول الصحي من قبل الجمهور والفنانين خلال التظاهرة، مجهود يبدو ان صداه لم يبلغ رئيس الحكومة حتى يخنقها ويخنق كل تظاهرة كانت ستقلل من أجواء الكآبة التي تخيّم على البلد.
ولأصحاب القرار، أن يلقوا عينا على صور جمهور والمسرح والسينما التي تحكي التزامهم بالبروتوكول الصحي، وفي مدينة الثقافة التي آوت تظاهرة مسرحية كان الكل ملزما بالتباعد وبالتعقيم خارج قاعة العرض وداخلها، ولكن "لقد أسمعت لو ناديت حيا لكن لا حياة لمن تنادي".
من الواضح ان مختلف الفاعلين في المجال الثقافي من مسرحيين وسينمائيين وموسيقيين وأصحاب فضاءات ثقافية وتقنيين وغيرهم يواجهون مصيرهم وحدهم دون أدنى إسناد من وزارة يبدو أن القائم عليها لا يملك الوقت لتشريح أزمات القطاع في ظل الجائجة ووضع حلول لها، فالزيارات الفجئية واللقاءات المتواترة دون خيط رابط أهم من مصير مواطنين مهدّدين في عيشهم.
وفي انتظار أن يحرّك الوزير والهياكل المعنية السواكن يبقى آخر القول " سيب العروض.. سيّب الثقافة" حتى لا تتفاقم أزمة العاملين فيه بعد أن أضنتهم فترة الحجر الصحي ومازالوا إلى اليوم لم يتخلّصوا من تبعاتها.