“سمها ماشئت”.. مونودراما الأمل العالق في ثنايا الخيانات

يسرى الشيخاوي-
 
"سمها ماشئت"، سمها بوحا او سمها انعتاقا او سمها مناجاة او سمها تمردا او سمها نصرا، او سمها ألف حيرة وحيرة، او فلتسمّها تجربة وجودية، لممثلة مسرحية يشع ألقها على المسرح، هي أماني بلعج، الثائرة المتمردة الرقيقة الناعمة القوية والمتطلعة إلى حدود السماء.
 
"سمها ما شئت"، هي مونودراما عن الأمل العالق في ثنايا الخيانات، من إخراج وتأليف وليد الدغسني وتمثيل أماني بلعج.
 
حبل الخيانات لا ينقطع.. 
 
كيف لإمرأة أن تتحمل هجر حبيبها وتبعثر أحلامها على أعتاب مقاومة واقع تحالف مع النوائب، كيف لإمرأة وهبت عمرها للرقص أن ترى كل الأسرار والحكايات التي احتضنتها مدرسة الرقص خاصتها تتحول إلى رماد بعد ان أحرقها متشددون.
 
كيف لإمرأة أن تتصدى لوابل من الخيانات التي أتت أفواجا أفواجا، خيانة الحبيب التي تتفرخ عنها آلاف الخيانات، خيانة الزمن، وخيانة الواقع وخيانة السياق السياسي، وخيانة الحياة التي فوضت امرها إلى الموت، وكيف لأماني بلعج أن تجسد دور هذه المرأة، كيف لها أن تمسك حبل الخيانات وتسحبها رويدا رويدا وبين الخيانة والخيانة تثبت وتد الأمل.
 
إمرأة تقتات من الذكريات، وتواجه حاضرا دفعت فيه تكلفة حبها للرقص باهضة، تكفير يليه حرق لمدرسة الرقص، فنكران من التأمين فتأرجح بين السجن ورهن منزلها، فحالة من النقمة والعزلة تزينها ابتسامة أمل وإن خف ألقها في بعض الزوايا.
 
الشخصية المونودرامية…
 
الأحداث الحافلات بالخيانات على مر التاريخ،  تستحضرها أماني بلعج الشخصية المونودرامية، خيانة الوطن وخيانة الحبيب، وخيانة الأرض وخيانة المبادئ وخيانة القيم، تختلف التجليات وتظل الخيانة قائمة على مر السنين.
 
قد يبدو لك تسلسل الأحداث غير منطقي، وقد تظهر في بعضها كالحلم او حديث النفس مع النفس، ولكن الشخصية تحمل إلى الركح مشاهد من صراع و معاناة لم ينفعك صوته يتردد في ذهنها ليجدوا صداه في سيكولوجيتها.
 
والشخصية المونودرامية تختلف بطبعها عن غيرها من الشخوص المسرحية، واماني بلعج سكبت فيها من روحها ومن حماستها وزينتها بتعابير وجهها التي جمعت كل تناقضات المشاعر الإنسانية.
ومونولوغ أماني بلعج طغت عليه العاطفة ومسّت كلماته شغاف القلوب، تنقّلات رشيقة بين الحزن واليأس وتقاسيم الأمل والابتسام، وفيه تتأرجح الشخصية المونودرامية بين العاطقة والعقل الذي يهب كلّما استدعت تاريخا ماضيا.
 
تداخل وتشابك بين الماضي والحاضر والمستقبل وبين تواريخ غابرة وأخرى ممتدة في الزمان، أحدا قد تبدو غير متسلسلة ولكن تلك التعابير المرتسمة على محيا أماني بلعج تجعلك أسيرا لها، تتبع حركاتها وسكناتها، ابتساماتها ودموعها الباحثة عن الخلاص، رقصاتها، تمايلها وانحناءاتها وقفزاتها التي تنتقل بك من حدث إلى آخر.
 
نص المونودراما ..
 
النص في "سمها ماشئت" مراوحة رشيقة بين العربية الفصحى والدارجة، وهو متنفس عن معاناة الشخصية التي كلّما هبّت ببابإلا وأوصد في وجهها، فيه تعبيرات عن لحظات النصر والهزيمة وما بينهما من امل  في أن يتغيّر الواقع وتنفذ بمنزلها الذي يطارده شبح الرهن.
 
ويشمل النص خطاب المناجاة والأحاديث المتولّدة عن سياقات مختلفة تدور حول فلك الخيانة، أحاديث اعتمد فيها النص على القص، وسعت فيها الشخصية المونودرامية إلى محاورة شخوص آخرين، وهي محاولة ذكية لصرف النظر عن انفرادها بالمونولوج وتحويل مسار القص.
 
ويستحضر النص شخوص الأمني والجندي والراقصة والمحامي ومدير البنك وغيرها من الشخوص التي تسكن بين الحروف والكلمات ، فيضفي على المونودراما ديناميكية يتولّد مها جدل تهتز على وقعها الشخصية المونوردرامية وتنتفض.
 
وفي نص "سمها ماشئت" قد يصعب عليك أن تفكّك الازمنة والأمكنة، فالشخصية تستحضرها الأحداث دون تسلسل منطقي ، وهذا التشابك بين وحدتي المكان والزمان يعزز الفكرة الرئيسية التي تقوم عليها الموودراما وهي كون حبل الخيانات لا ينقطع بل يمتد على مدى التاريخ .
 
والمونودراما وإن ارتكزت على فرد واحد يتنقّل بين الاحداث والازمنة والامكنة، ولكنّها تشدّ الانتباه من خلال مخاطبة العقل والعاطفة في ذات الآن من خلال تمثّلات الشخصية للواقع واستحضارها للماضي بمنحى درامي وشعوري يلامس اوتار القلب، ويثير في المتفرّج أسئلة عن الخلاص المؤجّل.
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.