هبة حميدي-
يقول الشاعر العراقي مظفر النواب" لست خجولا حين اصارحكم بحقيقتكم.. لأنّ حظيرة خنزير أطهر من أطهركم ..تتحرك دكسة غسل الموتى …اما انتم لا تهتز لكم قصبة .
مظفر النواب استشرف المستقبل واعترف ان الحكام العرب لن تهتز لهم قصبة.. وها نحن اليوم وهنا في تونس رقعة جغرافية عزيزة في قلوب سكانها، ظلام حكامها، قميء نظامها!
وكم من حادث اليم وشنيع عايشه ابناء هذا الشعب الطامح للحرية ولحقه في العيش بكرامة، حق يضمنه الدستور والكتب السماوية، ولكن قد لا يضمنه النظام..
كانت الصور التي انتشرت كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي التي تبرز رجل امن يجرّد طفلا من ملابسه وينهال عليه بالضرب وهو طريح الارض عار تماما، صور هي الاولى من نوعها ولكنها لن تكون الاخيرة طالما الدولة ومؤسساتها تكرس لثقافة الافلات من العقاب.
تعالوا نعدّ امواتنا الذين فُجعنا فيهم وهم في ريعان الشباب، اولئك الذين كانت وفاتهم بسب التجاوزات الامنية وعدم ردع المذنبين.
عمر العبيدي يافع قاصر سقط في الوادي ورفض بعض اعوان الامن نجدته، واكتفوا فقط بعبارة ساخرة "تعلم عوم" ليجد نفسه يصارع الموت ، فينتصر هذا الاخير وينزع منه الرمق..
شاب ثلاثيني هذه المرة انه "عبد السلام زيان" ضحية اخرى توفي في مركز إيقاف بالسجن المدني بصفاقس بعد أن "تم منعه من استعمال دواء الانسولين"، اسم آخر ينضاف الى ضحايا منتسبي وزارة الداخلية وعلى راسها المسؤول المباشر هشام المشيشي والذي يتحمل ايضا المسؤولية الاخلاقية فيما يحصل.
تونسي اخر يسجل في سجل الاموات، إنه أيمن عثماني، عامل يومي، وهو ضحية توفي في 2018 خلال مداهمات مستودع سلع مهربة في منطقة سيدي حسين، الرصاص استقر في جسده من قبل أعوان الديوانة، لكن على وجه الخطأ .. وياله من خطأ!!
تسقط قيمة الحياة هنا على وجه الخطأ، لنجد أنور السكرافي ايضا يقتل دهسا بسيارة امنية، خلال اعتصامات الكامور، وهيكل الراشدي يصاب في الأحداث التي شهدتها منطقة سبيطلة من ولاية القصرين خلال شهر فيفري من العام الجاري، بسبب عبّوة غاز مسيل للدموع سلبته الحياة على وجه الخطأ!
وامام هذا المشهد اللاانساني والجرائم المرتكبة في حق المواطن واخرها الحادثة الشنيعة التي مست شعبا بأسره لما حملته من دلالات اذلال واهانة للذات البشرية، هبت مكونات المجتمع المدني للتنديد والاستنكار، لنجد البرلمان يدعو سلطات العمومية الى توفير الحماية الجسدية والقانونية والرعاية الطبية والنفسية للطفل المتضرر، منظمات حقوقية واخرى دستورية مستقلة شجبت هي الاخرى هذه الممارسات، وطالبت بفتح تحقيق جدّي في ملابسات هذه الحادثة الشنيعة ومحاسبة كل من يثبت تورّطه.
وامام تواتر مثل هذه التجاوزات التي تسهدف حق الحياة، التي اصبحت ضنكا وأعيت الهامة، تعالت الاصوات تطالب رئيس الجمهورية بالتدخل وتدعو وزير الداخيلة بالنيابة ورئيس الحكومة الى الاستقالة.
ووجهت الحقوقية سعيدة قراش رسالة الى وزير الداخلية بالنيابة ورئيس الحكومة، وقالت "ستلاحقكم جرائمكم عاجلا او آجلا، اما رئيس الدولة ، انشغلتم بالبحث عن الصلاحيات وتركتم شعبكم تنهشه الضباع".
من جهته حمل الاتحاد العام التونسي للشغل هشام المشيشي مسؤولية تكرار الانتهاكات في فترته واعتبرها سياسة قمعيّة منتهجة لإسكات الاحتجاجات الاجتماعية والشعبية لا تزيد الوضع إلاّ احتقانا وتوتّرا.
كما اعتبر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن استقالة رئيس الحكومة والمكلف بادارة وزارة الداخلية اصبح أولوية للبلاد نظرا لحجم الخسائر صحيا واقتصاديا واجتماعيا وحقوقيا التي تكبدتها تونس منذ مباشرته لمهامه، منددا بما أسماه تواطؤ رسمي ومؤسساتي رافق هذه الجرائم وكرّس الإفلات من العقاب وشجّع على مزيد من الانتهاكات.
ومن هذا الجرم الذي عايشه الطفل القاصر والتلاحم الذي ابدته مكونات المجتمع المدني والفئات الشعبية، يبدو ان حادثة سيدي حسين تدق المسمار الاخير في نعش حكومة المشيشي التي تعد الحكومة الاولى في تاريخ تونس التي تضم 8 وزراء بالنيابة… فهل ستستحي..؟