سعيّد.. محارب بصواريخ معطلة اقتصاديا

"الصواريخ على منصات إطلاقها وتكفي إشارة واحدة لتضربهم في أعماق الأعماق"، رسم رئيس الدولة قيس سعيد، في ذهن التونسيين بخطاباته الثرية بمعجم الحرب والقتال، كونه المحارب القوي الذي سينهي عقدا من الفساد والفقر والجوع، لكن الواقع أظهر أن صواريخه محدود النجاعة وقصيرة المدى، وفاعليتها تحقق أحلامه السياسية فقط وتفسح له المجال لتنزيل طرحه الفكري القاعدي دون أن تلامس أي مجال من المجالات الحيوية الاقتصادية والاجتماعية، خاصة وأن لم يكن عليما بالقدر الكافي مدى ارتهان "منصة الصواريخ" للخيارات الاقتصادية الدولية والخارجية.

الحقيقة كذلك أبرزت لسعيد ولكل أفراد الشعب التونسي أن "صواريخ 25 جويلية" فاقدة لأي مشروع اقتصادي واجتماعي تنموي، قوامها تغيير مقاليد الحكم والمسك بزمام السلطة بتغيير النظام الذي تحكتم إليه البلاد، فبعد 25 جويلية تغيرت السلطة، وتغير النظام السياسي لكن لم يتغير المنوال التنموي ولم تتحدد على الأقل حتى القليل من الملامح لأي مشروع اقتصادي، بل إن الارتجال هو الحاكم اليومي لكل الأنشطة والملفات المالية الداخلية والخارجية.

واكتفت الصواريخ التي ظنها الكثير من أفراد الشعب التونسي باستهداف الخصوم السياسيين لقيس سعيد، ولم تكن لهذه الصواريخ أثرا كبيرا داخليا أو خارجيا لتحسين الوضع الاجتماعي الهش كما وعد بذلك.

وارتكزت القرارات المتخذة يوم 25 جويلية 2021 على الشرعية الشعبية وفقدانهم الثقة في أغلب مكونات الطبقة السياسية والحزبية التي أدارت الحكم بعد ثورة 2011، وأطلق رئيس الدولة صواريخه انطلاقا من باردو بحل البرلمان، ليليه صاروخا آخر منصته قصر الحكومة بالقصبة باقالة الحكومة، لتشمل فيما بعد صواريخه المجلس الأعلى للقضاء وهيئة مراقبة دستورية القوانين، فاسحا المجال أمامه للبدء في تطبيق مشروع الديمقراطية المجالسية.

وإلى حد اليوم، لم تضرب صواريخ الرئيس في العمق ولم تغير على الميدان واقع المجتمع التونسي، فلم تعرف صواريخه بعد طريقها نحو تحسين الوضع المعيشي ولا محاربة الاحتكار والتهريب ولا مقاومة التيارات المنهكة لاقتصاد البلاد.

وفي ظل أزمة حادة، رأى رئيس الدولة كون الشركات الأهلية حلا أمثلا وأنسبا قادرا على الخلق والتطور والتنمية، وبقي هذا الحل مجرد سراب قد يتحقق وقد لا يحققا أي منجزات اقتصادية تمتص غضب الشباب العاطل عن العمل.

 خارجيا، لم تعدّل صواريخ سعيد مكانة تونس ولم تقويها دبلوماسيا، بل استمرت تونس في نفس التعامل مع المؤسسات المالية المانحة، خاضعة خاشعة لكل ما يمليه صندوق النقد الدولي وفاقدة لأي حل بديل عن ذلك، بل إن وزراء حكومة التكنوقراط التي تترأسها نجلاء بودن ، اكتفوا بالتعامل مع التركة الاقتصادية بنفس التمشي الذي انتهجه من سبقهم من وزراء متحزبين.

بكل تأكيد، لم يحسن رئيس تونس الحالي استغلال فرص النجاح الذي أتيحت أمامه، وبقي حبيس أحلامه السياسية السلطوية، ولم ينجح في التأكيد للشعب والعالم كونه البديل السياسي الأفضل لعدة أحزاب فاسدة أجهضت الثورة التونسية، وبقي مطلب شغل، حرية كرامة وطنية الذي أسقط زين العابدين بن علي قائما إلى حد اللحظة، وهو ما ينذر بمصير لقيس سعيد قد لا يختلف كثيرا عن مصير بن علي، خاصة بعد أن أكل شرعية 25 جويلية المبنية أساسا على تحسين الوضع الاقتصادي بعدم نجاحه في امتلاكها.

الانفجار آت لا محال، لن يتأخر الانفجار الاجتماعي وما الغليان الشعبي إلا خطوة أولى تمهد له.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.