سعيد وصندوق النقد: بإمكانك القيادة ولا يمكنك التحكم

بامكانك القيادة، لكن لا يمكنك التحكم.. أنت من تقود ونحن من نتحكم في خيارات الدولة التي تقودها، تمتع بتنزيل مشروعك السياسي على أرض الواقع، لكن لا دخل لك بالسياسة المالية للدولة، في الحقيقة تنعكس هذه المسلمات على واقع العلاقة بين قيس سعيد والمؤسسات الدولية المانحة التي تعبر عن توجهات الدول العظمى.

تونس اليوم تحتاج كثيرا إلى موارد مالية خارجية، وتحصيلها يتطلب حتما استجابة لطلبات الغرف الدولية المالية، عكس السياسة التي انتهج فيها قيس سعيد توجهات لم يخضع فيها للخيارات الخارجية.

وتنوي الحكومة برئاسة نجلاء بودن إقرار الكثير من الإجراءات المالية والضريبية في قانون المالية لسنة 2023 استجابة لاصلاحات طلب صندوق النقد الدولي تنفيذها كشرط لمنح البلاد قرضا يساعدها على توفير موارد مالية لسد العجز الحاصل في ميزانية الدولة.

ومع اقتراب السنة الإدارية الجديدة واقتراب موعد تنفيذ اجراءات وتوجهات مالية جديدة  لسنة 2023 وفق قانون المالية التي يضبطها، يضيق الخناق الاقتصادي على تونس مع امتناع صندوق النقد الدولي بعد أشهر من المفاوضات عن منح البلاد القرض الذي طلبته كما يزداد الملل الاجتماعي والتوجس من التوجهات العامة الخاصة بالترفيع في أسعار المحروقات والمواد الأساسية.

وفي ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة ومع تمسك صندوق النقد الدولي بتطبيق خياراته في السياسة المالية العامة للبلادـ، يتضح مدى عمق خضوع البلاد للاملاءات الدولية الأجنبية وعدم قدرتها على ضبط سياساتها الاقتصادية بسبب عدم قدرتها على توفير موارد مالية دون اللجوء إلى الاقتراض الخارجي، فرئيس الجمهورية قيس سعيد الذي تمسك بخياراته السياسية ورفض الخضوع للضغوطات الخارجية، لا يقدر البوم ولا يمكنه حتى التفكير في عدم الاستجابة لما يطلبه صندوق النقد.

ويترقب صندوق النقد الدولي استكمال السلطات التونسية إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2023 حتى ينظر في إجراءاته ويرى مدى تطابقها وخياراته المتعلقة برفع الدعم عن المحروقات المواد الأساسية والتحكم في كتلة الأجور، وأجل الاجتماع الذي كان مقررا يوم 19 سبتمبر الجاري لمناقشة ملف القرض الذي سيُمنح لتونس، وهذا ما يثبت أن الدولة لم تعد قادرة عن ضبط سياساتها المالية العامة دون تدخل من صندق النقد.

وقانون المالية هو القانون الذي يضبط السياسات المالية العامة للدولة والاجراءات الضريبية التي ستنفذ خلال السنة الإدارية، وغالبا ما يتم في آخر تعديله بقانون المالية تكميلي يتم فيه تعديل التوقعات التي تم سنها في القانون الأصلي.

وسيكون  ارتباط اقتصاد تونس بخيارات المؤسسات المالية المانحة التي تديرها مجالس إدارتها الدول الأجنبية ذات الثقل الاقتصادي في العالم، أفضل رسالة لحاكم البلاد قيس سعيد كون السياسة لا تنفصل عن الاقتصاد بل هي سليلتها، وتحقيق الاستقلال في اتخاذ القرار السياسي لا يمكن أن يحصل إلا بتحقيق استقلال اقتصادي.

ولا يكون التعويل على تحصيل الموارد من الدول الداعمة للتوجهات السياسية ركيزة أساسية للاستغناء عن الاقتراض الخارجي، ونوايا الاستثمار التي قدمتها الكثير من الدول الخليجية التي تشجع على إجراءات 25 جويلية ظلت سرابا تطارده السلطة الحاكمة.

ولن يكون خطاب "أمك صنافة" خير وسيلة للخروج من حالة الخضوع الاقتصادي، واصلاح الدولة يستوجب استراتيجية اقتصادية كأولوية عاجلة أكثر من الانشغال بتطبيق مشروع سياسي.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.