سؤال للغنوشي: لماذا تركت الماعز وحيدا؟

الكتابة اليك أيها الشيخ تؤرقني، لأنك ربّما لن تقرأ ما أكتب…فمشاغلك واهتماماتك أكبر من أن تسمح لك بالتواضع لكلمات صحفية لا تعرفها…والكتابة عنك تحرجني، لأنك مدعوم بفضل دعوات والدتي الطاهرة التي تحبّك وتستميت في الدفاع عنك و"صنصرتي" من أجلك…والكتابة اليك عنك أيها "الشيخ الجليل" تملأ فكري وتشغل بالي، كيف لا وهي تستمدّ ضرورتها من الكتابة عن تلك الأرض التي قذفت كلينا الى الدنيا…

لن أقصّ اليوم أيضا تلك الحكاية القصيرة عنك التي رغبت في نشرها في ذكرى احتفال حركتك بمرور 33 عاما على تأسيسها…فقد منعتني أمّي من ذلك وأقسمت أن لن ترضى عنّي ان أقدمت على "تلك الفعلة بحقّك". وقد كانت هي نفسها من حدّثتني بها منذ سنوات خلت، غير أنها لم تعلم أن شيطاني الصحفي كان أقوى من وفائها منقطع النظير لأبناء "حامّتها" الخيّرين منهم وأنصاف الأخيار…

لكنني في المقابل، سأسألك: لماذا قابلت وفاء أمّي وعدد كبير من أبناء الحامة لك بالنكران والجحود؟ لماذا احتميت بسقف دارك وتركتهم تحت رحمة طوفان جرف منهم الناس والبهائم؟ لماذا سرت في شوارع حيّك الراقي ونسيت أهلك الذين يمشون حافيي الأقدام على طريق شبه معبّدة محفوفة بالمخاطر؟ 

أسألك يا شيخ، ولا همّ لي بصفتك الثانية، عن تلك العائلة أصيلة قبلي التي راحت ضحية غرق سيارتها في مياه الوادي الكائن بريف الحامّة…هل علمت بخبر موت أفرادها الخمسة؟ هل بكيت على أرواحهم الطاهرة النقية؟

أسألك يا شيخ عن تلك العائلات المعوزة في أرياف الحامة التي فجعت في ماشيتها جرّاء الفيضانات…هل علمت بخبرهم ابّان حدوث الفاجعة ؟ هل جاءتك أنباءها فهرعت الى مدينتك تسأل عنهم وتجفّف دموع عين تبكي قسوة الناس قبل قسوة السماء؟ 

هل شاهدت صور الماعز النافق في أرياف الحامّة؟ أعتقد أنك ولا ريب شاهدتها…فأنت محاط بجيش من العيون يحمل لك الأخبار والأنباء…

 لماذا اذن انتظرت موعد الاحتفال بحزبك لتحلّ بمدينتك و تزور ضحايا الفيضان؟ هل تضنّ على الحامة بزيارة عاجلة وقت الشدّة، وتسارع اليها ساعة اليسر و"ضرورة المرحلة"؟ 

ألا تعلم ، يا شيخ، أن معزاة في ريف بلدي تعني مورد رزق ورأس مال مستقبل ومشروع حياة؟! هل فكّرت في تلك العائلات التي ابتليت في مورد رزقها، ساعة تبلّغك بالخبر، أم أن جدول أعمالك المزدحم باللقاءات مع شخصيات V.I.P حال دون التفاتك الى عامّة شعب ترعرت بين ظهرانيه؟! 

تركت طوفان المياه يجرف البؤساء من أهل بلدك وانصرفت تصافح المنعّمين…عبست لوجوه النساء المعذّبات في ريف بلدك وتولّيت عنهنّ الى نساء يشاركنك تقرير مصير البلاد..أو التحكّم فيه… وعدت الى ذلك المشهد البائس في ريف الحامّة يوم احتجت أهلها أصواتا انتخابية…فهل كنت أصبت بالصمم يوم استنجدوا بك وبأتباعك عند حلول الكارثة؟ 

هناك مثل فرنسي يقول: قبل الوقت، لم يحن الأوان بعد، وبعد الوقت، يكون الأوان قد فات… وزيارتك يا شيخنا، جاءت بعد الوقت وفوات الأوان…فلا خير فيها… 

أدعوك الى ضبط جدول مواعيدك ليحتوي ساعة في مدينتك خالصة لوجه الله، ولتعديل ساعة وطنيتك على التوقيت المحلّي للوجع التونسي وضواحيه… فالوجع في بلادي، يا شيخ، لا ينتظر…تماما كالموت…

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.