زينب فرحات.. من اعتنقت دين الإنسانية حية أبدا لا تموت

يسرى الشيخاوي-
لا معنى للمكان والزمان ولا الأحداث من حولنا في الآونة الاخيرة، ولا بوصلة لنا إلا فلسطين نحيا معها وبها، نلاحق أخبار لغارات والقصف في أراضيها  ونستبطن أوجاع الفلسطينين.
الصور القادمة منها مبكية وموجعة حتى أنها أنستنا الفيروس اللعين وماعدنا نحصي عدد الوفايات والإصابات، وفيما نحن نجول بين الأخبار نراوح بين الدعاء واللعنات يسقط علينا خبر رحيل زينب فرحات.
الامر أشبه بغارة تهز الروح والقلب وقصف يعصف بالعقل، لا يمكن بأي حال استيعاب الخبر، كيف للموت أن يقترب منها، زينب فرحات التي لا يمكن حصرها في صفة واحدة، زينب فرحات التي اعتنفت دين الإنسانية.
المناضلة، الثائرة، المتمرّدة، المتحررة، المثقفة، الصحفية، النسوية، صفات كثيرة تحملها هذه المرأة المبتسمة على الدوام، إمرأة آوت داخلها نساء كثيرات وآلت على نفسها أن تحقق أحلام الكثيرات دون ان تنتظر جزاء أو شكورا.
زينب فرحات التي يحفظ فضاء التياترو صوتها وأنفاسها رحلت وقد تركت بصمة لن تمحي، هي أنى مرت ومتى مرت ظلت كالوشم يتعتق بمرور السنين، هي التي نهلت الكثير من والدها الصحبي فرحات وعاشت ممتلئة بالديمقراطية والوطنية والكثير من الحب الذي تنثره من حولها.
مؤمنة هي بالحرية، صاحبة مواقف ولا تساوم في مبادئها، مدافعة عن المرأة وحقوقها، مناصرة للإنسان، عاشقة للمقاومة التي تتخذ في مسيرتها وجوها كثيرة، محبة للفعل الثقافي وكل ركن في التياترو شاهد على ما أتته من اجل هذا المشروع.
زينب فرحات الصحفية التي ظلت الطريق إلى العمل الإنساني والفعل الثقافي، الصحفية والمرأة التي تشير بوصلتها إلى فلسطين، فلسطين التي تعتبرها قضيتها الأولى، وهي التي أجرت حوارا مع الراحل ياسر عرفات، حوار لن يسقط من ثقوب الذاكرة.
وعبر زنوبيا التي لم تكن مجرد جمعية بل كانت بعضا من روح زينب وتوقها لرسم الابتسامات أولائك الذين تناستهم الاطر الرسمية وكانت البداية بـ"كريطة الرسكلة الإبداعية"، لتكون " الكريطة" وسيلة لنقل لتلاميذ لا تصل إليهم العربات لأن الطرقات غير مهيئة.
من "الكريطة" إلى تركيز مكتبة في إحدى المدارس إلى تجربة النشر لكتاب" ابن آدم" لأنيس شوشان وكتاب "بنات السياسة: شهادات مناضلات السبيعينات" وسلسلة "معرفة-معرفة: مظاهر التدين في تونس"، تعانق "زنوبيا" الحرية.
"زنوبيا" التي تؤمن بالإنسان الإنسان فحسب كانت سباقة في طرح مسألة الهوية الجنسية والجندر في عمل مسرحي تُرجم نصه إلى الفرنسية والانقليزية، مسرح الدمى المتجركة حاضر أيضا من خلال ترجمة  "les fables de la fontaine" إلى الدارجة التونسية.
هي زينب فرحات الطفلة التي لا تكبر أبدا بابتسامتها المشرقة، تفكر في الكل وتنسج ملامح مشاريعها انطلاقا من آمال الآخرين وتسعى دوما إلى فتح الأبواب الموصدة في وجه طارقيها. 
انتقلت زينب فرحات إلى العلياء، ولكنها ستظل حية أبدا لا تموت، هي حية في مشاريعها وفي حديث عائلتها وأصدقائها وكل من صادفوها وأغدقت عليهم حبها، لا معنى لكل الكلمات أمام سعة هذه المرأة وقدرتها على العطاء. 
رحم الله زينب فرحات ورزق أهلها وذويها الصبر والسلوان.. 
 
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.