“زووم” على الطفولة/ عن مؤسسات الظلّ أو المرصد الذي لا يرصد

حقائق أون لاين-
إنّ عمليّة رصد بسيطة لآراء عامّة النّاس من الشّعب التّونسي تحيلك مباشرة إلى شبه إجماع على أنّه ثمّة مرارة ممزوجة بالاستياء من البطء – المشبوه- في فتح ملفّات الفساد وشبهاته وسوء استغلال المناصب والنّفوذ لتحقيق غايات شخصيّة ضيّقة في ضرب فاضح  لكلّ القوانين والأعراف.
إنّ عديد المسؤولين ما زالوا يسيّرون مؤسسات الدولة وفق مزاجهم وتتمّ ترقيتهم وتزداد وتيرة تكريمهم بمنهج غريب يفسّر علامات الدّهشة والاستغراب وأحيانا اليأس البادية على وجوه النّاس بمختلف شرائحهم ومستوياتهم.
لا يكاد التونسي يرى على أرض الواقع تغييرا حقيقيّا في التّعاطي مع عناوين الفساد التي تزايدت وتنوعت بشكل لافت للاهتمام والمتابعة، الى درجة لم يعد يدرك معها هذا الشعب طلباته وأولوياته إذ تاهت بوصلته وسلّم امره للأقدار وفقد الثقة في جل مؤسسات الدولة وهياكلها وهيئاتها. 
ومع كل ذلك فإنّ انتظار البدء بتأسيس مشروع اصلاح شامل لمؤسسات الدولة وخاصة بالوظيفة العمومية هو علامة صحيّة جيّدة  وهو بصيص الامل والخيط الذي مازال يتعلق به كل غيور محب لوطنه، إلا أنه لا يفسّر هذا التعاطي الغريب لبعض الوزارات مع ملفّاتها المتكدّسة على طاولات مسؤوليها بالتفقديات والمصالح المشتركة، يعبثون بها ولا يعيرونها الاهتمام اللازم وهذا دون ان نتغافل على مآلاتها وطبيعة القرارات المتخذه في شانها.
فقضايا كبيرة يتمّ غلقها وأخرى خطيرة يتمّ حفظها ومسؤولين يعفون وآخرون يرقّون مع تغيير مواقعهم ومراكزهم وآخرون يوفّرون لهم المخرج الآمن، وفي المقابل  تجد قضايا أخرى بسيطة وعاديّة تضخّم ويهرسل أصحابها ويشهّر بهم ويفترى عليهم بلا حكم ولا سند ولا تبرير في أغلب الأحيان.
وهذا هو الظّلم المزدوج، ظلم تتّضح للأسف صورته بجلاء خاصّة في أروقة ومكاتب وزارة المرأة والأسرة وكبار السن وتحديدا في قطاع الطفولة، فالمراقبون والمتتبّعون يتذكّرون جيّدا على سبيل المثال ما سال فيه الحبر ووقع تداوله في اروقة مجلس نواب الشعب وتم تدوين بعضه بتقارير الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد حول ملفّ المعهد العالي لإطارات الطفولة قرطاج درمش وكذلك مرصد الاعلام والتكوين والتوثيق والدراسات حول حماية حقوق الطفل وبعض المندوبيات الجهوية ومؤسسات الطفولة العمومية والخاصة، وغيرها من الملفّات الكبرى التي سنأتي عليها تباعا والتّي لا ندري لماذا لم يقع التحقيق فيها  او متابعتها بالشكل المطلوب والنجاعة اللازمة.
وهذا المقال  يلقي الضوء على المؤسسة الاولى من مؤسسات الظل كما اطلقنا عليها وهي مرصد الاعلام والتكوين والتوثيق والدراسات حول حماية حقوق الطفل، لأنها تعيش تحت الظل منذ سنوات بحيث لا يعرفها إلا نزر قليل من الناس، لا صيت لها ولا برامج تذكر ولا نجاحات يشهرها الاعلام ولا نتائج واضحة ينوه بها القاصي والداني، مؤسسات ترنو إلى الامتيازات لأداء باهت ونتائج محتشمة.
ورد بالأمر عدد 327 المؤرخ في 14 فيفري 2002 والمتعلق بإحداث مرصد الاعلام والتكوين والتوثيق والدراسات حول حماية حقوق الطفل وبضبط تنظيمه الاداري والمالي. وكذلك الامر عدد 1359 المؤرخ في 16 جوان 2003 والمتعلق بتنقيح الامر السابق مايلي:
الفصل2: يكلف مرصد الاعلام والتكوين والتوثيق والدراسات حول حماية حقوق الطفل بالمهام التالية:
رصد واقع حماية حقوق الطفل وجمع المعطيات والمعلومات المتعلقة به وطنيا ودوليا وتوثيقها وإرساء بنوك او قواعد معلومات في الغرض.
اجراء البحوث والدراسات التقييمية او الاستشرافية حول حماية حقوق الطفل وأوضاع الطفولة وتطويرها وإعداد تقارير تاليفية والمساهمة في اصدار منشورات دورية وظرفية تخص تلك المجالات.
تيسير الاتصال ونشر ثقافة حقوق الطفل بين مختلف الجهات المتدخلة في تطبيق احكام الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل ومجلة حماية حقوق الطفل من وزارات وهياكل او في مجال النشاط ذي الصلة.
مساعدة السلط على وضع السياسات والبرامج الهادفة الى الارتقاء بأوضاع الطفولة وحقوق الطفل وإبداء كل الملاحظات المترتبة عن عملية الرصد والمتابعة واقتراح كل اجراء من شانه تحسين وضع وحماية حقوق الطفل.
تنظيم ندوات تدريب وتكوين وإقامة الملتقيات والأيام الدراسية والتظاهرات ذات العلاقة. 
ومن خلال البحث والاستقصاء عن هذه المؤسسة وما توفر لدينا من وثائق وكذلك بمقارنتها مع مؤسسات شبيهة تابعة لنفس الوزارة او لوزارات أخرى تبين بما لا يدعو للشك بان هذا المرفق العمومي يناقض اصل وجوده، إذ لا وجود لدراسات او بحوث او تقارير او ملتقيات ولا أيام دراسية او تظاهرات، ولا اثر لأي رؤى استشرافية حول حماية حقوق الطفل ولا اوضاع الطفولة عامة.
هذا المرصد الذي يفترص ان يساعد السلط على وضع السياسات والبرامج الهادفة للارتقاء بأوضاع الطفل وحقوقه من خلال الربط بين الاهداف والاداء اليومي لكل العاملين به نجده يؤسس لثقافة غريبة وخطيرة متأصلة تقوّض كل محاولة للتطور وتنتج ثقافة سلبية تقوم على التواكل والتقاعس والتهاون والاستخفاف بالعمل وفي المقابل السعي للتقرب من المسؤول الاول وتقديم الولاء اللامشروط له.
من خلال تصفح لموقعه الالكتروني وصفحته على الفيسبوك ازداد اليقين بان المسؤول الأوّل على تسيير هذا المرفق العمومي غير مختصة في مجال الطفولة ولا مجال البحث العلمي، حيث يصب الاهتمام بالشكل بدلا عن الجوهر من خلال كثافة الصور مقابل ضعف الممارسة وكثرة التقارير مقابل غياب الاثر.
الاكيد انه لا يمكن العمل بشكل جيد في بيئة لا تؤسس لثقافة ايجابية للآداء، بمعنى بيئة تهدر فيها الموارد بجميع انواعها وتهرسل فيها الكفاءات، ولا تغني فيها التقارير المنمّقة عن التساؤل عن واقع قطاع الطفولة.
والاستخفاف بقوانين الدولة والاستهتار بها في تسيير المؤسسات، سلوكيات لابد من وضع حدّ لها وإن طالت ممارسته وإن ساد اعتقاد بان لا حلول جذرية لتفاقمها في بعض المؤسسات التابعة للدولة.
ومهما تكرست المحسوبية والمحاباة في علاقة بالتعيينات والترقيات في بعض المؤسسات فإن غد المحاسبة لقريب، وفي علاقة بمرصد الاعلام والتكوين والتوثيق والدراسات حول حماية حقوق الطفل يظل السؤال القائم " لماذا لم تتحرك وزارة الإشراف أمام تواصل الحديث عن إخلالات في هذا المرصد؟
وفي تحرك الوزارة وضع حد لهذه الممارسات وإنارة الرأي العام بشأن وشأن المسؤولين عنها وبالتالي قطع الطريق أمام كل من تخوّل له نفسه أن يكون يدا للفساد داخلها، ولكن يبدو أنه لا حياة لمن تنادي.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.