“زووم” على الطفولة/ بيداغوجيا الصدمة والعالم الجديد

 بقلم الباحث في مجال الطفولة سهيّل دحمان –

انتشرت جائحة الكورونا في كل أصقاع الدنيا كالنار في الهشيم دون استئذان أو إعلام مسبق، وقد عرّت عديد الفوارق بين الدول والمجتمعات على كل الاصعدة وفي مختلف المجالات الحياتية المتنوعة.

من الفوارق البارزة تلك المتعلقة بتربية الأطفال وخاصة على حسن تصرّفهم في الأزمات وكيفية الوقاية من الصدمات.

لقد تعرضت عديد الشعوب ولا زالت إلى عدّة كوارث سواء طبيعية مثل الزلازل والفيضانات والأوبئة أو كذلك من فعل الانسان كالحروب، والسؤال هنا، هل نجحت هذه الدول في تربية مواطنيها عامة وأطفالها خاصة على مجابهة هذه الأحداث الصدميّة؟

قبل كل شيء سنسعى إلى تحديد مفهوم الصدمة النفسية بما هي مصطلح مشتق من الكلمة اليونانية "Trauma" وتعني الجرح أو الشرخ المحدث جراء سلوك أو حدث أو مشهد عنيف، وهي كذلك حسب اخصائيي الطب العقلي اختلال في التوازن الانفعالي لدى الفرد أو عجز في السيطرة على الانفعالات وردود الفعل.

وتحدث الصدمة النفسية عندما يعيش الانسان أو يشاهد أو يواجه حدثا يتضمن تهديدا مباشرا بالموت أو بجروح خطيرة أو بسلامته الجسدية بشكل عام أو تدميرا لممتلكات خاصة أو على ملك الغير.

وبالرغم من تعدد الدراسات المهتمة بالطفل والطفولة إلا أننا نلاحظ نقصا غريبا في البحث بخصوص علاقة الأطفال بالأحداث الصدميّة وكيفية التصرف فيها وتجاوزها، وربما يعود هذا، إلى خلوّ المنظومة التعليمية والتربوية تقريبا من محاور تتعلق بهذا الموضوع سواء في المؤسسات النظامية أو اللاّنظامية.

إن مجابهة هذه الازمات والوقاية من الصدمات واكتساب الوعي اللازم لحسن التصرف تجاهها يتطلب مكتسبات وتدريبات خاصة لا بدّ أن تصبغ تربية الطفل في تنشئته منذ سنواته الأولى.

ومع أن هذه الظاهرة لا تتعلق حتما بالطفل التونسي فقط وأنها تحظى بهيمنة عالمية في ظل ما يشهده العالم من كوارث وجوائح وحروب وتزايد غير مشهود لنسب العنف وتنوع إشكاله، إلا أن ما يميّز أطفالنا هو تنشئتهم على المبالغة في الطلب الاستهلاكي أو ما يعرف "بالمطلبية المشطّة" وهو ما يتسبب في أغلب الأحيان في مشاكل نفسية واجتماعية تؤدي بهم إلى قلة الفاعلية وعدم إيجاد الميكانيزمات اللازمة والمهارات المطلوبة لمواجهة الصدمات وبالتالي الاستسلام لها بكل سهولة ودون مقاومة.  

نتساءل هنا، هل أن هذا الطفل المبالغ في الطلب الاستهلاكي والمنتظر والمنسحب في أغلب الأحيان من النمط المجتمعي السائد الرافض له والذي فرض عليه ولد هكذا سلبيّا؟ أم أن محيطه الأسري والاجتماعي والأنظمة التربوية والمناهج التعليمية هي من تتحمل مسؤولية هذه السلبيّة وعدم توظيف الطفل لطاقاته ومهاراته الحياتية؟ وعجزه عن مجابهة الازمات بداية من موت احد المقربين اليه و تهديد سلامته وجسده وممتلكاته وصولا الى كل الاحداث الصدميّة التي تهدد وطنه ووجوده.

هل نحن في حاجة الى الاكثار من المؤسسات والبرامج والتنويع فيها دون رؤية او تقييم موضوعي لنتائجها ومدى مواكبتها للتطورات التربوية والتكنولوجية الحاصلة والظواهر الاجتماعية الجديدة والمستجدة؟ أم أن الوضع يتطلب ما يمكن تسميته بالتدخل المناسب في الوقت المناسب وبالآليات المناسبة حسب كل المعطيات سابقة الذكر؟

ألسنا اليوم في حاجة ماسة للبحث عن اسباب تراجعنا وعن المسؤول عن ذلك؟ السنا في حاجة ماسة لوضع استراتيجية لمجابهة كل الاخلالات المتعلقة بالمناهج التربوية والتعليمية غير المواكبة لهذا العصر؟

إن المتمعن في حال بلادنا اليوم يدرك من الوهلة الأولى أن تفشي جائحة الكوفيد 19، وانتشار العنف من جرائم واغتصاب وانتحار واستفحال مظاهر الاعتداء على البيئة والفضاء العمومي هي المحصلة الطبيعية لغياب حسّ المواطنة من جهة مع تواصل قصور كل برامجنا التربوية والتعليمية على استيعاب الرهانات والتحديات العالمية من جهة أخرى.

ومهما يكن من أمر فإن العالم الجديد يبشرنا منذ سنوات مضت باتجاهه نحو خلق "طفل رقمي" غير منمط بكل محتوياته وفضاءاته (ملابسه، اكسسواراته، أثاثه، أحذيته، جدران بيته ومنزله ومدرسته…) 

عالم سيجعلنا نتجاوز في بيوتنا ومؤسساتنا مستقبلا كل هذه الجدران الصامتة التي تنعدم فيها الحياة  ونودّع شاشات الهواتف الذكية والحواسيب المحمولة الحالية ونستقبل في المقابل وسائل تكنولوجية رقمية أكثر تطورا وحماية للطفل. 

سيبحث العالم على طرق ناجعة لتوفيرها في كل البيوت والتربية عليها منذ الطفولة المبكرة.

لن نتحدث مستقبلا على سلبيات الاستعمال المفرط لهذه التكنولوجيات لأن الطفل سيصبح من خلالها اكثر تنظما وأكثر امنا. سيتنظم في غذائه، في ممارسته للرياضة، في اعتماده على نفسه،…) سيكتسب مبادئ مواطنية جديدة وسيتمتع بكل ما توفره له هذه التكنولوجيات من حماية لحقوقه  ومن امن وأمان.

سيجد الطفل كل الحوافز والمنافسة وسيقبل بمراقبته التي ستكون دون قيد أو فرض أو خضوع للحالة النفسية للوسيط المتدخل في حياته أو هو ذلك الواعظ في الكثير من الأحيان ( المربي، المعلم، الأب، الام…)

مستقبلا لن نربي أطفالنا على التكنولوجيا الرقمية بل إنها هي من ستتكفل بتربيتهم واحتوائهم وتنشئتهم "تنشئة اجتماعية رقمية".

سيكون في السنوات القليلة القادمة لاستعمال تقنية ثلاثي الأبعاد أو أكثر في أبسط المنازل باستخدام الـ"LEAP MOTION" أو غيرها من الوسائل الوقع الايجابي على الطفل بحيث يتمتع بكل ما يريده و يحبذه… سيتمتع بالبحر وأشعة الشمس والتقارب الاجتماعي الآمن وسيتبادل مشاعر حقيقية صادقة دون تدخل اي طرف خارجي يفسد عليه حريته أو هو يحد منها بفرض ضوابط قانونية وأخلاقية بالية وغير عادلة.

العالم الرقمي هو الكفيل بحملنا إلى عالم صادق حقيقي لا يحتمل الزيف وغير مرتبط بالتراكمات النفسية والأهواء المزاجية والعقد التي يفرزها الانسان وينغص بها حياته وحياة الآخرين.

سيكون الطفل محاطا دائما بأصدقائه من كل العالم  ومعلميه ووالديه متى شاء ذلك، سيعيش معهم وسيسافر في كل اصقاع الدنيا في كل وقت أراد ذلك، لن يفقد اي انسان يحبّه، لن يصبح للموت معنى…

العالم الرقمي كالعالم اللاّهوتي، عالم فوقي، لا مرئي وغير محسوس سيوحّد اطفال العالم القادمين ويربيهم على مبادئ كونية يحترمها الجميع بنفس القدر من أجل التعايش رقميا في ظل عدالة غير مؤجلة تضبطها وتراقبها كل التطورات التكنولوجية القادمة. 

 

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.