زبيبة بطعم الدم: وهم الشعوذة التي تحمي عذرية الفتاة في تونس

يسري اللواتي- 



لطالما مثلت الأنثى في المجتمعات العربية المحافظة، مصدر "قلق وتوجس" دائم، وجد له اجدادنا القدامى وحتى المعاصرون، مبررات موضوعية كان مردها التخوف من تمظهرات انتشار سادية العقل الذكوري خاصة في علاقة بالمسألة الجنسية.

 
تباعا اختلقت المجتمعات العربية منذ سالف العصر، بدعا وخرافات مختلفة، اعتقدت بل ومازالت تعتقد انها ستخلص الفتيات العربيات من خطر "التوحش الذكوري" الذي يرى في الأنثى مجرد "ماكينة جنسية" لارضاء غرائزه، وفق زعمهم.
 
في تونس مثلت الطرق نحو تخليص او حماية الأنثى من شر الاعتداءات الجنسية المُحتملة قبل زواجها، هاجسا مجتمعيا في الأوساط المحافظة، فكان ما يعرف "بالتصفيح"، حلا بديلا اعتُقِد انه سيكون سدا منيعا لاتقاء اي مكروه او اعتداء جنسي قد يصيب الفتاة.
 
ورغم ان الموضوع خارج نطاق الحديث وظل لسنوات حبيس السر الخاص لعديد الفتيات في تونس، الا ان إحداهن اختارت الحديث عن الموضوع من منطلق "إبراز المعاناة التي شهدتها هي وشقيقتها منذ صغر سنها"، وفق تعبيرها.
 
الجروح السبع والزبيبة..
 
فادية (اسم مستعار) ، شابة تونسية تبلغ من العمر 27 ربيعا، أصيلة ولاية منوبة المتاخمة للعاصمة ، متحصلة على شهادة جامعية منذ سنتين تقريبا، تقول ان تقاسمت معاناتها مع "كارثة" التصفيح ، مع شقيقتها الأصغر منها سنا منذ كان عمرهن ثماني سنوات تقريبا.
 
تقول فادية لــحقائق أون لاين" اتذكر عندما كنت صغيرة أن امي اصطحبتني أنا وأختي عفاف ذات صباح الى جدتنا، ولم نكن نعلم آنذاك دعوى الزيارة، واعتقدنا في بادى الامر انها زيارة عاىلية لا غير".
 
كانت الزيارة روتينية جدا في البداية، لكن أمي تحدثت إلينا قبل دخول منزل جدتنا و أوصتنا بأن "لا نخاف مما ستفعله لنا الجدة بتعلة انه فعل سيحصننا من كل الشرور وسيحصننا من اعتداءات الذكور، دون أن تقدم لنا قولا فصلا ".
 
تتابع فادية بالقول وقد انتاب وجهها الحزن والقلق " كنت انا وأختي في ذلك الوقت طفلتين لا نفقه من الدنيا شيء ولا نعلم مالذي تكيده امي وجدتنا لنا، كنّا على ثقة تامة بانها لا تنوي لنا الشرور، ومن هذا المنطلق لم نخف مما ستفعله الجدة رغم قلقنا المسبق ، وقد صدق حدسنا في النهاية ".
 
"بعد أحاديث روتينية جلبت جدتي حبات زبيب وخيطين رفيعين  ثم طلبت منا الجدة بعد أن قامت بجرحنا سبع جروح على مستوى ركبتينا اليسرى ، ابتلاع الزبيبة بطعم دمنا المراق على فخذينا".
 
تعترف فادية أنها رفضت وشقيتها، في بادئ الأمر ابتلاع الخيط مع حبة الزبيب بحكم أنهن اعتبرن ذلك مقرفا وقد يضر بمعدتهن وصحتهن بصفة عامة، إلا أنهن قبلن ذلك على مضض بعد تطمينات من الجدة والأم التي بدت قلقة للغاية من انكشاف سر هذه العملية التي يرفضها والدهما.
 
انكشاف السر وبداية المعاناة..
 
تؤكد فادية أن معاناتها وأختها لم تنته مع يوم ابتلاعهما حبة الزبيب والخيط الرفيع، بل تواصلت إلى ما بعد ذلك بحكم أنهما تكتمان سرا تخفيانه "داخل معدتهن" ويخشين من انكشاف ذلك السر داخل العائلة وداخل المجتمع الذي يتوجس من هذه العادات التي يعتبرونها "مضرة بالحياة الزوجية"، وفق تعبيرها.
 
"كبرت أنا وأختي إلى أن بلغنا سن العشرين وعلمنا وقتها من بعض الصديقات ما سر  العملية التي اقترفتها جدتنا وأمنا في حقنا، لن أخفي عنك قدر حزني أنا وأختي في تلك الفترة، كان السر بمثابة المصيبة خاصة وأننا نعمل أن أمنا تكن لنا كل الثقة والمودة، فكيف تجرؤ على على الفعلة المشينة؟".
 
تتابع فادية بأن قلقها كان يتضاعف كل يوم من انكشاف السر "الكارثة" في الحي الذي تقطنه، خاصة وأنها لم تنجح هي وأختها في اقامة علاقات عاطفية ناجحة مع الذكور بالرغم من جمالهن وتقدم مستواهن الدراسي".
 
مازاد في معاناة فادية وشقيقتها الآن، أن صديقاتهن في مثل عمرهن قد تزوجن وأنجبوا الأطفال ومازالت الشقيقتان تصارعان العلاقات العاطفية الفاشلة والمتواصلة التي يعتبران أن التصفيح هو السبب الأول في ذلك.
 
ما التصفيح …
 
في تونس وخاصة المدن الساحلية وولايات الشمال غربي، تقوم طريقة التصفيح على جرح الفتاة قبل بلوغها سبع جروح صغيرة على فخذها الأيسر من طرف إحدى نسوة الحي اللاتي دأبن على هذه العملية، ثم تغمس حبات الزبيب أو التمر بالدم المراق مرددة بعض الطلاسم التي أشهرها "أنا حائط وابن الناس خيط".
 
ومما يجعل عملية التصفيح معقدة وتظل حبيسة أسرار الفتاة إلى حين يوم زفافها، أن فك هذا السحر لا يتم من قبل المرأة نفسها التي قامت بتصفيحها أو سيدة أخرى تحمل الاسم نفسه ويتم ذلك قبل ليلة الزفاف وبنفس الطريقة التي تمت بها عملية التصفيح.
 
للحديث أكثر عن تفاصيل هذه العملية، توضح الخالة عزيزة (78 سنة) من منطقة سجنان التابعة لولاية بنزرت الساحلية لــحقائق أون لاين، أنها تعلمت تصفيح الفتيات من جدتها التي كانت الأكثر شهرة في القيام بهذه العملية ومرت على يديها عديد الشابات اللاتي حافظن على عذريتهن بفضل التصفيح"، وفق تقديرها.
 
تتابع الخالة عزيزة بالقول أن "من أساسيات نجاح هذه العملية أن تتم في منزل خال من الذكور وقبل بلوغ الفتاة"، مشيرة إلى أن أغلب الفتيات التي قامت بتصفيحهن مروا عبر طريقة الزبيبة أي جرح الفتاة سبع جروح على مستوى فخذها الأيسر ومزج الزبيبة بالدم ثم ابتلاعها بالتوازي مع ترديد عبارات بالعامية التونسية "أنا حيط وولد الناس خيط".
 
"هذه العملية لا تضر الفتاة بقدر ما تنفعها وأتعجب لم هجرت أغلب العائلات هذه العادة، خاصة وأن شرور واعتداءات الذكور منتشرة، فهي تحميها في فترة غيابها عن منزلها وعائلتها إما للدراسة أو العمل أو أي سبب آخر، ولا يفك التصفيح إلا قبل ليلة الدخلة" تتحدث عزيزة بنبرة امتزجت بصوت مرتفع.
 
رأي علم الجنس: التصفيح يقضي على العواطف الجنسية للمرأة
 
يعتبر المختص في الجنسانية البشرية والباحث في علم الجنس هشام الشريف أن عملية التصفيح لا تعدو إلا أن تكون شعوذة وسحرا وهي من الموروث الثقافي الذي انتشر في بعض المناطق، حيث تعتقد العائلات أنه يجنب الفتيات القيام بعلاقات جنسية خاطر أطر الزواج ويمنع افتضاض غشاء البكارة.
 
ويبين الشريف لــحقائق أون لاين، أن الطب أثبت علميا أن التصفيح يسبب الاضطرابات الجنسية للمرأة خاصة عند الزواج وهي أساسا منقسة إلى نوعين: اضطرابات جنسونفسية وجنسوادراكية، مشيرا إلى أن هذا السحر يتسبب في صعوبات أثناء القيام بالعملية الجنسية بالنسبة للمرأة والرجل، خاصة ما يعبر عنه عند النساء "التشنج المهبلي".
 
"إن التصفيح عملية تجرح الفتيات وتقضي على عواطفها الجنسية خاصة مع الأجواء المريبة التي تتم فيها هذه العملية الممتزجة بالبخور والدم والجروح" يؤكد الشريف زيف هذه العملية التي مازالت منتشرة في تونس، وفق تعبيره.
 
ويكشف الشريف عن تلقيه لعديد الحالات التي تعاني من هذه الشعوذة سواء من الأوساط الريفية أو الحضرية، لافتا إلى أنه تلقى في مكتبه حالة عانى خلالها الزوجان من صعوبات في ممارسة الجنس ليلة الدخلة إلى أن وصل بهما الحد إلى الطلاق
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.