على الرغم من الصعوبات و التعطيلات التي تعترض عمل الهيئة التنفيذية لتظاهرة صفاقس عاصمة للثقافة العربية 2016، فإنّ الإستعدادات جارية بنسق حثيث من أجل إنجاح تظاهرة إستثنائية وهامة من شأنها إعادة الإعتبار ولو جزئيا لعاصمة الجنوب بعد الخيبة التي منيت بها جرّاء الخسارة المدويّة أمام مدينة وهران الجزائرية في سباق المنافسة للظفر بتنظيم ألعاب البحر الأبيض المتوسط.
رؤية استراتيجية
وفي هذا السياق، أكّد رئيس الهيئة سمير السلامي في تصريح لحقائق أون لاين ، أنّ إشكالية عدم الحسم في مصير فضاء الكنيسة الكاثوليكية من خلال وضعها على ذمّة التظاهرة قصد تحويلها إلى مكتبة رقمية من الجيل الجديد قد جعلت بعض الأطراف تعتقد بوجود تأخير في التحضيرات،موضحا أنّ البرنامج هو تقريبا جاهز حاله كحال الشعار الرسمي.
وقال السلاّمي إنّ الهيئة قد قامت ببلورة رؤية استراتيجية في العمل حيث تسعى من خلال هذه التظاهرة إلى دفع ملف إدراج مدينة صفاقس ضمن التراث العالمي لليونسكو بغية دعم السياحة الثقافية التي هي اليوم البلاد في أمس الحاجة إليها.
وقد أفاد أنّه من المرتقب أن يتمّ عقد ندوة صحفية للإعلان عن مشاريع التظاهرة أواخر شهر نوفمبر المقبل،مشيرا إلى أنّ وزيرة الثقافة لطيفة لخضر عبّرت في أكثر من مرّة عن استعدادها التام لدعم التظاهرة و العمل على تسهيل الاجراءات من أجل تخصيص فضاء الكنيسة علاوة عن دراسة امكانية الترفيع في الميزانية والاعتمادات المالية.
وانتقد محدثنا من أسماها بعض الأطراف التي تحاول الركوب على الحدث و السطو على التظاهرة التي تشرف عليها هيئة مستقلة تضمّ قامات فكرية و ثقافية وجامعية فتحت منذ فترة إستشارة واسعة مع جلّ الفعاليات المكونة للمشهد الثقافي في إطار الاعداد للبرنامج الخاص بالملتقيات و الندوات و التظاهرات.
هذا وقد بيّن سمير السلامي أنّ الهيئة تشتغل على 3 محاور في علاقة بمسألة البنية التحتية وهي أساسا:
-المدينة العتيقة باعتبارها القلب النابض وقد تمّ تسجيل تقدّم حاليا في الدراسات.
-البيئة والمحيط من خلال تهيئة فضاء شطّ القراقنة لاحتضان أنشطة ثقافية بحثا عن تحقيق المصالحة بين الأهالي و البحر،فضلا عن تأكيد سمة انفتاح صفاقس على الخارج.
– فضاء الكنيسة الواقع في باب بحر والذي ينتظر أن يصدر قرار يقضي بوضع المبنى على ذمة وزارة الثقافة بعد تعهد وزير الرياضة باحداث قاعة جديدة للنشاط الرياضي،زيادة عن تفويت وزارة أملاك الدولة في قطعة أرض بالدينار الرمزي من أجل تخصيص مبنى للحالة المدنية لاسداء الخدمات الاعتيادية للمواطن.
معضلة الإدارة العميقة
من جهة أخرى،شدّد نائب رئيس الهيئة التنفيذية للتظاهرة عبد الواحد المكني في تصريح لحقائق أون لاين، على أنّ الاستعدادات تتقدّم بصورة أكثر من عادية،غير أنّه إلى جانب حسن النوايا و الانفتاح على المجتمع المدني و الساحة الثقافية الوطنية و الجهوية و القومية هناك جملة من الانتظارات المتقاطعة حيث أنّ كلّ طرف يرى نفسه موجودا في هذه التظاهرة وهو أمر شرعي حسب تعبيره،لكنّ الكيفية هي التي تخلق إشكاليات.
وأوضح المكني أنّ هناك من يرى أنّ التظاهرة في زخمها الإعلامي وفي الدعاية وهذا أمر معقول،وفق قوله،ولكنّه غير كاف،مشيرا إلى تجربة ترشيح ملف صفاقس لاحتضان الألعاب المتوسطية والتي كانت الدعاية لها أشبه بالجعجعة بلا طحين ففي الأخير كان القطاف صفرا و في تونس لا تنقصنا الأصفار،على حدّ تعبيره.
وأضاف أنّ في صفاقس جملة من التناقضات الاجتماعية والاقتصادية و السياسية و الثقافية التي عاشتها الولاية على المدى الطويل وهي تنعكس على التظاهرة التي يرى البعض أنّ المدينة قد تستأثر بها على حساب الريف و المعتمديات و جزيرة قرقنة،في حين هناك من يرى العكس في أنّ الجانب القومي و الوطني للتظاهرة و انفتاحها على خارج صفاقس قد يهمّش عاصمة الجنوب.
واعتبر المكني أنّه في كلّ هذا الآنف ذكره هناك مصالح متقاطعة تنضاف إليها التجاذبات السياسية لأطراف تريد أن تتموقع ولاسيما من قبل بعض السياسيين، مذكرا بأنّ التظاهرة هي ثقافية بالأساس ويجب النأي بها عن التجاذبات السياسية.
وقال المكني إنّ هنالك إحساسا بأنّه على الرغم من أنّ السيدة الوزيرة الحالية وهي مؤرخة و مثقفة و جاءت من فضاء له علاقة متينة بالثقافة تساند التظاهرة وتدعمها والهيئة التنفيذية،فإنّ ما أسماها الادارة العميقة في وزارة الثقافة لا تتعاون مع الجهة المشرفة على التظاهرة حيث تبدي نوعا من الممانعة الخفيّة والمقنعة وهي بذلك تلتقي مع أطراف تريد التموقع رغم أنّ ذلك يبقى حقّا مشروعا،حسب قول محدثنا.
وقد أكّد عبد الواحد المكني نائب الرئيس على أنّ الوالي الجديد لصفاقس من حقّه أن يساند التظاهرة لكن لا يجب أنّ ينسى الجميع أنّه هنالك هيئة تنفيذية هي الآن بصدد العمل وهي في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة.
وأفاد المكني أنّ كشف النقاب عن البرنامج التفصيلي سيكون قريبا إذا سيقع الإعلان عن شعار التظاهرة في ندوة صحفية وهو ممتاز جدّا وفيه لمسات فنيّة وقد تمّ إختياره بعد استشارة أهل الاختصاص وسيكون الشعار وظيفيا و يمكن تغيير الزوايا الضوئية و المرئية فيه،علاوة عن كون مشروع إعداد الـ 100 كتاب يتقدّم بنسق حثيث حيث تمّ حاليا الانتهاء من جمع حوالي 50 مؤلفا سيتم التعاقد مع أصحابها في القريب العاجل على أن تتولى الوزارة طبعها.
وبيّن محدثنا أنّ كلّ البرنامج بما فيه الإعلامي و الاشهاري مرتبط بالحصول على الترخيص النهائي في استعمال فضاء الكنيسة التي ينتظر تحويلها إلى مكتبة رقمية تؤوي جمهورا يناهز 40 ألف زائر إفتراضي والهدف من ذلك هو تكريس المواكبة للثقافة الرقمية التي هي رهان المدرسة والجامعة في تونس إذا لا خيار للدولة سوى المضي نحو رقمنة الثقافة والعلم و المعرفة وهذا مشروع يجب النأي به عن التجاذبات السياسية.
واعتبر المكني أنّ من حقّ الرياضيين ممارسة الرياضة في صفاقس و من واجبات الدولة ووزارة الرياضة أن توفر قاعة متعددة الاختصاصات تليق بصفاقس عاصمة الجنوب والتي لها تقاليد في الرياضات الفردية والجماعية ولكن ليست الكنيسة هي المكان المؤهل لذلك وفق تقديره.
ودعا عبد الواحد المكني إلى مراجعة وضعية البنية التحتية الثقافية في صفاقس مثل صيانة وتعهد فضاء المسرح البلدي و مسرح الهواء الطلق بسيدي منصور.
هذا وقد أكّد المكني في ختام حديثه على أنّ الاعلان عن البرنامج التفصيلي مازال رهين الموافقة الرسمية الكتابية حول مشروع تحويل فضاء الكنيسة لمكتبة رقمية،مبرزا أنّ الهيئة أياديها ممدودة لجميع الأطراف و الأطياف الثقافية والسياسية التي هي مرحب بها بالنظر إلى أنّ التظاهرة ليست ملكا لأحد بل هي تظاهرة وطن بأكمله ،علاوة عن طابعها القومي.
كما دعا الجميع إلى التحلي بالروح الايجابية من خلال الابتعاد عن التجاذبات و الاختلافات،مفيدا بأنّ الهيئة حالما تعلن عن برنامجها الرسمي سوف تتجه نحو تعيين هيئة عليا للدعم بالتوافق مع الوزارة و السلط الجهوية،محذّار من بعض ممارسات ما أسماها الادارة العميقة في وزارة الثقافة التي طالب بضرورة أن تنفتح و تنظر إلى الأمام وفقا للتمشي الديمقراطي.
حريّ بالاشارة إلى أنّ هذه التظاهرة الهامّة تتطلّب زهاء 30 مليارا كإعتمادات مالية من أجل ضمان سبل نجاحها وهو الأمر الذي وعد به رئيس الحكومة الحبيب الصيد خلال زيارته الأخيرة إلى صفاقس الهيئة التنفيذية بالعمل على توفير الدعم الكافي بالنظر إلى أنّ التظاهرة هي تعكس صورة تونس ما بعد الثورة المناهضة للارهاب والتطرف و القائمة على الديمقراطية و اللامركزية.