رســائـل الـشـعـب لسعيّد وخصومه

بات القلب النابض في تونس غير متفاعل مع الأجسام السياسية، فسكنت حركاته وباتت ضعيفة وخفت التيار بينهما.. إنها القطيعة بين الشعب وقادة السلطة والمعارضة في البلاد.

من تندّروا  بضعف نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية، فشلوا  في استمالة الشعب ودفعه للاحتجاج.. إنه ليس اعتباطيا أو محض صدفة، النفور الشعبي من الحياة السياسية بكل تفاصيلها هو حتما نتاج أكثر من عشر سنوات من الحكم والمعارضة، ومزاجية الشعب التونسي دائما ما تسلط عقوبات على المتحكمين في الشأن السياسي، وما ضعف المشاركة الشعبية في الدور الأول للانتخابات التشريعية 2022 وعدم انخراط التونسيين في الاحتجاجات التي دعت لها أحزابا سياسية إلا مرآة تعكس حالة الملل الاجتماعي من المشهد العام.

دلائل كثيرة يعسكها إحجام التونسيين عن المشاركة في الحياة السياسية العامة، ومعان عميقة يظهرها العزوف عن الانتخابات والاحتجاجات،ربما أهمها أن الشعب لم يعد اليوم يصطف وراء سلطة أو معارضة، فمقاطعة الشعب لخيارات رئيس الدولة قيس سعيد وتحركات خصومه هي تعبيرات جلية عن حالة اللامبالاة بالطروحات السياسية غير المراعية للوضع الاجتماعي والاقتصادي.

فقدت تقريبا كل مكونات المشهد السياسي زخمها وثقلها ولم تعد اليوم قادرة على الاقناع والاستقطاب، فلا السلطة الحاكمة أقنعت الشعب بضرورة الانخراط في العمليات الانتخابية من استفتاء وانتخابات تشريعية, ولا المعارضة وخصوم قيس سعيد أقنعوه بضرورة المشاركة في تحركاتهم الاحتجاجية لاسقاط هذه السلطة.

الشعور بالفجوة والهوّة الواسعة بين مطالب المواطنين وخيارات السياسيين، تولّد عنها توسع لأزمة الثقة وبرودا تجاه قادة العمل السياسي، وانعكس انشغال قيس سعيد بإدارة توجهاته السياسية على حساب الملفات الاقتصادية والاجتماعية عليه سلبا، ولم يستجب الثلاثة الثلاثة ملايين تونسي الذين انتخبوه رئيسا لتونس لدعوته للمشاركة في الانتخابات التشريعية، تماما مثلما انعكس العمل الروتيني ولهث الأحزاب وراء السلطة عليهم سلبا ونفرهم أنصارهم وباتت قدرتهم على الحشد للاحتجاج ضعيفة جدا ومحتمشة.

ويمكن القول إن مكونات المشهد السياسي اليوم في تونس قد فقدت زخمها الشعبي ولم تعد قادرة على استمالة التونسيين الذين اختاورا عدم التفاعل معهم، وأصبحت هذه المكونات في حالة عجز وغربة نظرا لفشلها في تحقيق المطالب التي ثار من أجلها الشعب سنة 2011، فلا الشغل توفر، و لا الحرية تجسدت ولا الكرامة تحققت، وبقيت دماء الشهداء مهدورة إلى حد اللحظة تتقاذفها المصالح الضيقة، والوضع ساء في نظر شعب تونس وأصبح أصعب مما كان عليه زمن زين العابدين بن علي، فالبلاد عانت في فترة حكم قادة السلطة بعد 2011 من ويلات الارهاب وشعبها أنهكته مؤشرات الفقر والجوع وشبابها التهمته حيتان البحر الأبيض المتوسط.

وبقدر ما يعبر العزوف الشعبي عن الحياة السياسية، عن عقوبات مواطنية للمتبارين في سباقات الوصول إلى السلطة، بقدر ما يثير مخاوف عن مستقبل التداول السلمي على السلطة، فالشعب هو الذي ينتخب وهو الذي يختار حكّامه ورؤساءه عكس الأنظمة الملكية التي لا تتأثر بالزخم الاجتماعي، وعلى الرئيس وخصومه استيعاب الرسائل التي تلقوها من شعب عاشق للحياة والكرامة أكثر من عشقه للحكّام والملوك.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.