“رباط المدينة”.. ملاذ المهاجرين الأفارقة في تونس

في حديقة “رباط المدينة” بساحة باب الجبلي بوسط مدينة صفاقس التونسية جنوبي البلاد، يبحث المهاجرون الأفارقة دون جدوى تحت الأشجار عن ظل يقيهم لهيب شمس أوت الحارقة.
باتت شجيرات الحديقة القليلة لا يمكن أن تأوي مئات المهاجرين الذين لا مأوى لهم في هذا الصيف القائظ الذي تمر به تونس، منذ أن بدأت “رباط المدينة” تتحول إلى “ملاذ مؤقت” لهم، في أعقاب أحداث العنف التي شهدتها صفاقس حويلية الماضي.

في 3 يوليو المنصرم، شهدت صفاقس حالة من الاحتقان تطورت إلى مواجهات عنيفة بين سكان المدينة والمهاجرين المقيمين بها، على خلفية مقتل الشاب التونسي نزار العمري (40 سنة) على يد مهاجرين غير نظاميين.
وعقب مقتل العمري، اندلعت اشتباكات وأعمال عنف في المدينة وقطع للطرق وحرق للعجلات المطاطية ومناوشات مع قوات الأمن، في وقت طالبت فيه هيئات مدنية ومنظمات غير حكومية بتهدئة الأوضاع وضمان أمن المهاجرين والتونسيين على حد سواء.
وبعد الحادثة، خرج مئات المهاجرين من صفاقس باتجاه ولايات تونسية أخرى، فيما فضّل آخرون البقاء في حدائق المدينة وساحاتها دون ملجأ بعد طردهم من منازلهم ومواقع عملهم.
أوضاع صعبة
الأناضول التقت المهاجرة القادمة من مالي أواي كوليبالي في أحد أركان الحديقة وقد أخذ منها اليأس مأخذا من معالجة وضعيتها.
قالت كوليبالي: “أنا في تونس منذ عام 2017، كنت في العاصمة وعام 2020 أتيت إلى هنا”.
ومتحدثة بحنق عن وضعيتها، قالت: “أوضاعنا صعبة، لقد سرقوا كل ما في منزلنا وأخذوا منا كل شيء بما في ذلك جوازات سفرنا، أخرجونا من المنزل وننام هنا في هذه الحديقة ونتدبر أمرنا بصعوبة لنعيش”.
وتابعت: “هذا غير عادي، هناك تونسيون في كامل إفريقيا، في الكوات دي فوار ومالي والسينغال وبوكينا فاسو ونحن لم نكن سيئين تجاههم، وشقيقي متزوج من تونسية ويعمل بالسلك الدبلوماسي، ولكن هذا التصرف تجاهنا غير عادي وغير لائق”.
وأردفت: “الوضعية صعبة في صفاقس، خسرنا كل شيء، ويجري تتبعنا لأننا أجانب، لا يمكننا العيش هنا”.
كوليبالي الغاضبة من وضعها في الحديقة قالت: “حتى في فرنسا الأجانب يتلقون مساعدة، لكن هنا لا نتلقى أي مساعدة، وننام هنا بعد أن أخذوا منا كل شيء حتى ملابسنا أنا وزوجي وابنتي”.
وبرّرت وجودها في تونس بقولها: “أنا هنا لأنه في بلادي لا يمكنني تحقيق أي شيء، أنا مجبرة على البقاء في تونس”.
أساسيات الحياة
داود دان لو من غينيا (كوناكري) له قصة أخرى فهو من “مهاجري ليبيا” الذين عبروا مؤخرا إلى تونس.
دان لو قال للأناضول: “جئت من ليبيا.. لم يكن سهلا الوصول إلى تونس، عددنا كان كبيرا والسلطات الأمنية قبضت علينا في صحراء ليبيا، وأنا هنا في صفاقس منذ 10 أيام”.
وأضاف: “من مجموعتنا وصل ثلاثة إلى هنا والآخرون بقوا في الصحراء، نساء وأطفال، ومنذ أن وصلنا أصبح وضعنا صعبا في الحديقة، ننام ونعيش فيها وليس لنا أكل جيد”.
وحول تصرف التونسيين تجاههم، قال دان لو: “نحن محرومون من أساسيات الحياة، لا أكل جيد وليس لنا مكان ننام فيه، الأمر ليس سهلا أبدا، فلا تتوفر لنا دورات مياه ولا أدوات نظافة، أصبحنا نعيش مثل الحيوانات”.
وتابع: “ليس لنا عمل لنعيش عليه، عملت في ليبيا ومعي بعض المال وعندما نمرض سيطلبون منا المال، ماذا نفعل؟”.
وسبق أن شدد الرئيس التونسي قيس سعيد، على رفض أن تكون بلاده أرض عبور أو توطين للمهاجرين غير النظاميين من جنسيات إفريقيا جنوب الصحراء، مع تأكيد الاعتزاز بالانتماء الإفريقي.
وردا على انتقادات عديدة حول تعامل السلطات التونسية مع المهاجرين غير النظاميين، قال وزير الداخلية كمال الفقي، قبل نحو 10 أيام: “ثمة تقارير تدعي اعتداء الأجهزة الرسمية على بعض الأفارقة الذين يدعون أنهم كانوا موجودين على التراب التونسي”.
وأضاف الفقي: “عملت بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي على توظيف هذا، محاولين تشويه صورة الجمهورية التونسية وإدخال البلبلة في الرأي العام الدولي والمحلي”.
وتابع: “هذا أمر (الادعاء) لا معنى له باعتبار أن الدولة التونسية وسلطاتها تتعامل بشكل رسمي مع كل المنظمات التي تتبع الأمم المتحدة والمنظمات التي تعنى بالمهاجرين في تونس”.
انتظار الحل
مشاعر الإحباط تجاه وضعية المهاجرين غير النظاميين من أصول إفريقيا جنوب الصحراء لمسناه أيضا لدى التونسيين الساكنين في محيط حديقة باب الجبلي.
عمارة السمعلي، مشرف على عمارة بحديقة “رباط المدينة” قال للأناضول: “أصابنا القلق فمستأجرو الشقق في العمارة مهنيون يمارسون عملهم وأكثرهم أطباء ومهندسون، ويدفع الواحد منهم مقابل إيجار الشقة هنا بين 1800 دينار ( نحو 600 دولار) و1500 دينار ( 500 دولار) شهريا”.
وأضاف السمعلي: “لسنا ضد المهاجرين، لكن فليبحثوا لهم عن مأوى خاص ليتمكن الناس هنا من العمل، فبعض متسأجري الشقق في العمارة أصبح لا يمكنه تسديد ثمن الإيجار لتعطل العمل”.
وتابع: “ليس هناك أي حل حتى الآن رغم مرور شهر وأكثر من 10 أيام على وجود المهاجرين في المنطقة ويجب على السلطات أن تفعل شيئا”.
وأردف: “العمل جوار الحديقة تعطّل، فلا أحد بات يقصد العمارة، أطباء ومهندسون ومدرسة تعليم لغة إنجليزية كلهم معطلون، بسبب هذا الوضع الجديد”.
واستدرك السمعلي: “تعبنا نحن والمهاجرون الأفارقة من هذا الوضع، لسنا عنصريين، ونأتي لهم بالأكل والماء، وعندما نحدثهم برفق يفهموننا، ولهم أطفال صغار وبودنا أن تبحث السلطات عن حل لنا ولهم”.
وعن سوء أوضاع المهاجرين في الحديقة، قال السمعلي: “ليس لهم دورات مياه ولا مكان للاستحمام، وأرجو أن تنظر الدولة لهم بعين الرحمة وتحل المشكلة”.
وتعاني صفاقس من وجود أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين من دول إفريقيا جنوب الصحراء الراغبين في اجتياز الحدود البحرية باتجاه أوروبا.
وقال وزير الداخلية التونسي في تصريحات سابقة: “نقدر أن في مدينة صفاقس، التي يوجد فيها تجمع كبير للأفارقة، نحو 17 ألف إفريقي مهاجر غير شرعي وعندما نضيف من هو في مدن أخرى يصبح العدد 80 ألفا في تونس”.
ومنذ فترة تشهد تونس تصاعدا لافتا في وتيرة الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، خصوصا باتجاه سواحل إيطاليا، على وقع تداعيات الأزمات الاقتصادية والسياسية في البلد الإفريقي ودول أخرى.

المصدر: وكالة الأناضول

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.