“دمشق حلب”.. الواقع السوري في سردية سينمائية مدادها الأمل

 يسرى الشيخاوي-

بين دمشق وحلب ترتسم معالم الأحداث الدامية التي شهدتها سوريا منذ سنة أحد عشر وألفين، أنقاض وحطام وابتسامات تحاول طمس الدموع المتلألئة في الأعين وكبت آهات تزعزع الجبال، هي بعض من ملامح فيلم "دمشق حلب" للمخرج باسل الخطيب.

في دمشق يعيش عيسى عبد الله  (دريد لحّام) وحيدا إلا من رفقة ابنة أصديقه وصديقيه قبل أن يخسرهم في انفجار هزّ عرش سكينته وجعله وجها لوجه مع أحداث الحرب في سوريا، تلك الحرب التي تتداخل ملامحها من جديد كلّما اقتربت من الوضوح.

أما في حلب فأصوات القصف قبرت أصوات العصافير ولفّت الليل والنهار حتّى صارت كل الأوقات متشابهة على ابنة عيسى عبد الله  (كندا حنّة) وطفليها، وحينما تتحرّر المدينة من حصارها يظل منزلها أسير الألغام محاطا بسياج يمنعها من الدخول ويحول دون دخول أي شخص حيث هي.

 بعيدا عن آثار الحرب المدمّرة، يحيا عيسى عبد الله ولا يصله إلا صداها عبر صوت ابنته التي ارهقها انتظار زوجها الذي ذهب ليحضر الدواء لأطفاله المرضى لكنّه لم يعد، ولكنّ يحدث أن يتحوّل عرس ابنة صديقه التي تحظى بمنزلة ابنة له إلى ذكرى أليمة جدّا عنوانها الموت.

وفي القصر العدلي حيث كان صديقيه وابنة صديقه وحبيبها ينتظرون حضوره تمزّقت كل الروابط التي تصله بدمشق وصارت أشلاء تحاكي وقع تفجير المكان، وكان قرار الرحيل إلى حلب لزيارة ابنته التي لم يرها منذ سنوات بسبب الحرب.

في الطريق من حلب إلى سوريا، تتأرجح الاحداث بين الدراما والكوميديا ووتتلبّس مشاعر المشاهد فالممثّل دريد لحّام قادر على تحويل اكثر المواقف تراجيدية إلى مواقف مضحكة جدّا حدّ البكاء.

"هنا دمشق.. هنا القاهرة.. هنا دمشق هنا القدس.. هنا دمشق هنا بيروت" كلمات يلفظها المذيع عيسى عبد الله قبل ان يتخلّى عن المصدح والدمع يملأ عينيه وكأنه يرثى شتات العرب هذه الأياّم.

والرحلة إلى حلب ليست مجرّد طي لكليموترات تفصلها عن دمشق بل هي مرآة تعكس الواقع في سوريا سنة سبعة عشر وألفين، واقع يمتزج فيه الفرح بالترح واليأس بالأمل ويخرّ فيه الموت ساجدا على أعتاب الحياة.

ومشاهد الفيلم تكاد لا تخلو من مشاعر التضامن ومن اللحمة والترابط بين سوريين جمعهنم الطريق دون معرفة سابقة بينهم ولكنهم تفانوا في حماية بعضهم البعض وزرع البسمة على وجوههم تباعا.

وإن يتبنّى الفيلم سردية النظام السوري لواقع البلد إلّا أنه لا يسقط في تبييض مفضوح، وباستثناء ذلك المشهد الذي يلعن فيه عيسى عبد الله الربيع لأنه حلّ بالخراب في إحالة إلى الربيع العربي، فإن الفيلم يخاطب العاطفة من خلال قصص مواطنين سوريين متشبّ"ثين بالحياة رغم الخراب من حولهم.

وبتعاقب الاحداث ، تتوقّع انفجارا في كل حين حتّى أنّك تخال أنّ نهاية الفيلم ستكون مأساوية خاصة إذا ما ربطتها بذلك الكابوس الذي يراود الابنة إذ تعجز عن فتح الباب لوالدها ولا تسمع إلا صدى صوته من خلفه.

والكابوس ليس بغريب عن الواقع، إذ أن الأب حال وصوله إلى منزل ابنته لمحها من بعيد ولكنّ عسركيا منعه من التقدّم إلى الامام كي لا تتطاير أشلاؤه إذ هو داس خطأ على أحد الألغام التي تملأ المكان، ولكن عاطفة الأب كانت صماء ومضى في طريقه ومع كل خطوة تخال أن الدوي سيصم آذانك ولكن انتهى الامر بعناق طويل بين الأب وابنته وبكثير من الامل.

و"دمشق حلب" الذي عرض في افتتاح أسبوع أفلام القاومة والتحرير، سردية سينمائية للواقع في سوريا، سردية قوامها الأمل في التغيير وفي غد أفضل، الامر الذي تعكسه جمالية الصورة على امتداد الرحلة من دمشق إلى حلب.

 

 

 

 

 "عيسى عبد الله" رجل انطوائي (دريد لحام)، يعيش منعزلا عن أحداث الحرب في منطقة دمشق، فيما تقبع ابنته تحت الحصار في حلب، إلى أن يزول الحصار، فيقوم بزيارة ابنته، وهي الزيارة التي يرصد الفيلم من خلالها انعكاسات الحرب على أوضاع وحياة الناس.

يدور الفيلم حول سوريا في ربيع 2017، حيث يعيش عيسي المذيع اللامع وحيدا في مدينة دمشق، ومع تحرير مدينة حلب من الارهابيين يقرر الذهاب لزيارة ابنته الوحيدة التي لم يراها منذ سنوات بسبب الحرب، الطريق من دمشق لحلب رحلة اشبه بالمراية التي تعكس الواقع السوري بكل تناقضاته، فبرغم الدمار الذي نراه فإننا نجد الشعب السورى مصر علي الحياة بحب وترابط.

الفيلم بطولة دريد لحام، صباح الجزائري، سلمي المصري، كندة حنا، علاء قاسم، عبد المنعم عمابوي، نرمين شوقي، تصوير جمال مطر، إخراج باسل الخطيب.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.