يسرى الشيخاوي-
"لا عزاء للنساء والعنف يقتلهن كما الوباء كلنا رفقة"، بهذه الكلمات انطلق اللقاء عن بعد الذي نظمته الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات بعنوان " قراءة في دلالات الاغتصاب والاعتداءات الجنسية في المسلسلات التلفزية".
هي حادثة قتل رفقة الشارني على يد زوجها بعد تعرضها مرارا إلى العنف تلقي بظلالها على اللقاء وتضع الإصبع على داء ينخر المجتمع، هو داء التطبيع مع العنف وتتفيه معاناة الضحية وتسطيحه، هو داء الذكورية المقيتة.
العنف اللفظي والعنف المعنوي والعنف الجسدي بما فيه الاعتداءات الجنسية والاغتصاب، علل تسكن في ثنايا المجتمع، علل نجحت نساء في التغلب عليها فيما ظلت أخريات رهينة سلطة "الآخر".
وبما أن الاغتصاب والاعتداءات الجنسية مادة إلهام لصناع المسلسلات في تونس، ارتأت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات تخصيص لقاء للخوض في دلالته ورؤية المخرجين وكتب السناريو لهذه لهذه الآفة، وذلك عبر الحديث عن مسلسلات تضمنت مشاهد تروي فعل الاغتصاب.
وفي اللقاء الذي أدارته الصحفية سارة بن علي كان فرصة لبسط الرؤى الفنية للمخرجين والسيناريست بخصوص الاغتصاب ليتفرع الحديث إلى قصص أخرى منها الدعم وإشكالات الإنتاج المرتبط بشهر رمضان وغياب المعالجة الاجتماعية في الأعمال التلفزية.
مخرج مسلسل "نوبة" عبد الحميد بوشناق، ومخرج مسلسل "أولاد الغول" مراد بالشيخ ومخرجة مسلسل " فوندو" سوسن الجمني وسيناريست مسلسل "حرقة" عماد الدين حكيم، كل منهم عبر عن تصوره الفني للاغتصاب، فيما عقبت الاستاذة في علم الاجتماع فتحية السعيدي وعضو الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري هشام السنوسي من وجهة نظر صوصيولوجية وترتيبية اتصالية.
وكانت البداية بعرض مشاهد الاغتصاب في المسلسلات قبل انطلاق النقاش الذي لم يكن محاكمة أو مساءلة لما عرض بقدر تبيان تصور صناع المسلسلات للاغتصاب ودلالاته من منظور فني.
المغتصبة يجب ألا ترضخ..
في حديثها عن مشهد الاغتصاب في مسلسل "فوندو"، تقول المخرجة سوسن الجمني إن طرح موضوع الغتصاب في حد ذاته ذو فائدة على اعتبار أنه منطلق للتوعية والإصلاح، مشيرة إلى أنها خيرت ان تتحدث عن الاغتصاب من منظور آخر من خلال الإشارة إلى أن الاغتصاب يمكن أن يكون من شخص تربطك به علاقة حب سواء كان خطيبا أو زوجا.
في سياق متصل، تؤكّد أنه ينبغي للمرأة أن تفهم أن ممارسة لعلاقة جنسية دون رضاها اغتصاب وإن كان زوجها ولا ترضخ وتستسلم وتتخذ موقفا، ملاحظة أن شخصية "بية" في المسلسل إمرأة قوية وردت الفعل على الاغتصاب ووقفت في وجه المغتصب، وذلك في ردّها على من انتقدوا المشهد معللين ذلك بأن الشخصية مرت على الحادثة مرور الكرام دون اتخاذ اي موقف.
وعن رؤيتها الفنية للمشهد، تلفت إلى أنها اختارت ألا تصدم المشاهد وأن تصور فعل الاغتصاب من قبل شخص مقرب وخاصة الزوج إذ ان الكثيرات يعتبرن الامر عادي، معتبرة أنه ليس من الضروري أن تصرخ المرأة أو تبكي ولكن ما يهم في النهاية هو الموقف من الاغتصاب بعيدا عن الكليشيهات.
أما فيما يخص "الصنصرة" الذاتية التي تحتمها التلفزة، تلاحظ ان الإنتاج الموجه للتلفزة ليس نفسه الموجه للسينما إذ يجب دائما أخذ المشاهد والهايكا بعين الاعتبار، قائلة إنها إذا أتيحت لها الفرصة ستذهب إلى صدم المشاهد أكثر، وهو نفس الرأي الذي يشاركه المخرج عبد الحميد بوشناق.
رؤية المشاهد ذاتية..
من جهته يشير المخرج عبد الحميد بوشناق إلى أن معالجته للاغتصاب فنية، مشيرا إلى أنه ثيمة دائما ما توجد في السينما وقي المسلسلات على اعتبار أنها ظاهرة متواصلة ولم يول عليها الزمن.
وفي حديثه عن التطرق للاغتصاب في "نوبة، يعتبر ان طريقة رؤية المشاهد ذاتية وان لكل بمخرج طريقته في صدمة الآخر، لافتا إلى أن "برينقا" و"حبيبة" يحملان نفس الفكر وأن لـ"حبيبة" الحق في الانتقام بماهو شعور انساني نخوض معه حربا.
وفي زواج "حبيبة" وهي حامل طرية أخرى في التعامل مع المغتصب، وفق حديث بوشناق الذي أكّد تلقيه رسائل تعاطف مع "برينقا" بعد مشهد الاغتصاب مبهم التفاصيل، والذي اعتبر أن المهم هو فتح نقاش بخصوص موضوع الاغتصاب.
في الصدد ذاته، يلاحظ ان اغتصاب الذكور في المسلسلات لا يأخذ حيزا كبيرا من النقاش، متسائلا عن مفهوم الاغتصاب وعما ينبغي أن يتّبعه المخرج، هل يتبع الشخصية ام الطقوس والعادات أو البيجاغوجا ام وجهة النظر النسوية.
ولم يفوت الفرصة للحديث عن إكراهات الإنتاج في شهر رمضان والتي تفضي بالضرورة إلى الصنصرة من خلال تجنب بعض المشاهد التي قد تعتبر غير متلائمة مع الظرفية وهو ما يجعل المخرج مكبلا في بعض الاحيان، مشيرا إلى أن المستهشرين هم من يقررون الانتاج خلال شهر رمضان.
المشكل في توجيه المشاهد..
أما المخرج مراد بالشيخ فيعتبر أنه من الصعب التعامل مع ممشهد الاغتصاب دون وضعه في سياقه والأسباب المؤدية إليه وتبعاته إذ من غير الممكن تقييم لحظة العنف بمعزل عن بقية المسار فالاغتصاب يكسر شيئا ما في عمق الشخصية وبالتالي لا يمكن توظيفه إذا ما لم يغير شيئا، مشيرا إلى أن تصوير مشهد الاغتصاب مشحون بجرعة فنية.