دراسة/ مسارات سجنية لشباب من الكبارية والقصرين الشمالية وتطاوين الشمالية.. من الصحة الجسدية إلى الصحة النفسية

 يسرى الشيخاوي

في  سياق مشروعها البحثي الجديد "الصحة النفسية والسلوكات الـمحفوفة بالمخاطر لدى الشباب في  الكبارية والقصرين الشمالية وتطاوين الشمالية نظمت

خصصت "إنترناشيونال ألرت" دراسة عن  التجربة السجنية لدى الشباب في الكبارية والقصرين الشمالية وتطاوين الشمالية، تم فيها التركيز على الوضع الصحي  في فترة العقوبة السالبة للحرية.

وتأتي هذه الدراسة، التي تحصلت حقائق أون لاين على نسخة منها،  في إطار المشروع البحثي الجديد
ل"انترناشيونال ألرت " شباب في الهوامش: الرعاية الصحية النفسية والسلوكات المحفوفة بالمخاطر في الكبارية، القصرين الشمالية وتطاوين الشمالية".

وأشارت الدراسة إلى أن" مسألة الشباب والصحة ضعيفة الحضور في الإعلام كما في الدراسات الأكاديمية، ربما لأن  الكثريين يعتربون ان
هذه الفئة العمرية في "ربيع العمر" و"أوج القوة" وان هناك مسائل ومشاكل أكثر استعجالية مثل البطالة والمخدرات التي كثيرا ما تناقش ضمن مقاربات أمنية واجتماعية دون اهتمام بالجانب الصحي و"الحرقة" وغيرها).

وهذه المسألة، وفق الدراسة، تصبح شبه
نقطة عمياء عندما يتعلق الأمر بالشباب الذين قضوا عقوبة سجنية مع الإشارة  إلى صعوبة القيام بدراسات ميدانية تتناول موضوع الصحة الجسدية والنفسية للمساجبن نظرا لصعوبة الولوج إلى المؤسسات السجنية من جهة، والحساسية والإحراج الذين قد يثيرهما طرح الأسئلة على الشاب الذي عاش تجربة سجنية من جهة أخرى.

عن العينة..

ضمت العينة 19 مشاركا موزعين على ثلاث مجموعات بؤرية في ثلاث مناطق،  من بينهم 5 من حي/معتمدية الكبارية بولاية تونس، و9 من معتمدية القصرين الشمالية و5 من معتمدية تطاوين الشمالية وقد اجريت معهم اللقاءات في  مقرات فروع "إنترناشيونال ألرت" في كل من القصرين الشمالية وتطاوين الشمالية، ومقر جمعية"جيل ضد التهميش" في  الكبارية.

واما عن المشاركين في الدراسة فكلهم  من الذكور وذلك لصعوبة الحصول على شهادات من سجينات سابقات من جهة، وصعوبات التواصل والإحراجات
التي قد يتسبب فيها حضورهن في مجموعة مختلطة من جهة أخرى، كما أن خصوصيات وضع النساء السجينات سواء تعلق الأمر بالوضع الصحي او العائلي (حمل، أمومة، إرضاع، رعاية أطفال) والاجتماعي (النبذ والوصم) تتطلب دراسة منفصلة أكثر
تفصيلا.

ولفتت الدراسة إلى أن 36 % من المشاركين في  المجموعات البؤرية الثلاثة سبق لهم أن سجنوا قبل جانفي 2011، وتمتد الفترة التي تغطي مختلف التجارب السجنية للمشاركين من سنة 1993
إلى سنة 2020 وتتنوع الجنح والجنايات التي اتهم المشاركون في المجموعات البؤرية بارتكابها وسجنوا إثرها أو أوقفوا لمدة قد تطول، ويمكن ترتيبها حسب تواترها كالتالي: سرقة/سكر وعنف / عنف شديد/استهلاك مخدرات/ تهم تصنف بالخطيرة (ترويج مخدرات/اتجار بالبشر/ قتل على وجه الخطأ وفرار) وقد تراوحت المدة المقضاة في السجن ما بين الايقاف لبضعة أيام أو اسابيع إلى السجن لأكثر من عشر سنوات.

معاناة متعددة..

وخلصت الدراسة، التي اطلعت عليها حقائق أون لاين، إلى أن معاناة النزلاء في السجون معاناة متعددة الأشكال والمراحل والآثار  وتطرقت إلى الإذلال الممنهج وانعدام شروط الراحة والخصوصية وانعدام النظافة والأكل الذي لا يؤكل والمعاناة النفسية

وفيما يخص الإذلال الممنهج تحدثت الدراسة عن إجراء تفتيشي يفرضه أعوان السجون ويتمثل في تعرية السجين وإجباره على الانحناء والسعال للتثبت من عدم اخفائه لمخدرات أو أدوات حادة في فمه أو مؤخرته وقد تكون الغاية الأمنية مفهومة لكنها لا تبرر ما أتى في شهادات الكثير من المشاركين  في الدراسة عن انتهاك الحرمة الجسدية وعدم احترام خصوصيتهم خلال هذا الإجراء الذي يسمى في قاموس السجون "طبس وكح" مثل تعرية المسجون أمام مساجين آخرين وتعمد إهانته بعبارات وإيحاءات بذيئة.

وحسب الدراسة يتمثل الكثير من المساجين هذا الإجراء كممارسة هدفها إذلال السجين، خاصة المبتدئ، وكسر "شوكته" منذ وضع قدمه في السجن، وفي تقاطع الشهادات في المجموعات الثلاثة دليل على  أن الأمر لا يتعلق بمجرد ممارسات منفلتة بل هو منهاج عمل شائع.

وأما  فيما يتعلق بالنظافة فهي تعد معضلة يومية، وفق الدراسة، وهي من أهم العوامل التي تزيد التجربة السجنية في  تونس قسوة نظرا لعدم توفر الشروط اللازمة حتى يضمن السجين نظافته الشخصية ونظافة الأمكنة التي ينام ويعيش ويأكل فيها، وهو أمر أجمع عليه كل المشاركين إذ تحدثوا عن النقص الكبير في عدد دورات المياه مما يضطرهم إلى الانتظار طويلا حتى تفرغ واحدة ويتمكنوا من قضاء حاجتهم بشكل سريع لكي يتركوا المكان لبقية المنتظرين.

كما اشتكوا من قصر المدة المخصصة للاستحمام كما ان درجة حرارة مياه الاستحمام تكون في أحيان كثيرة غير متناسبة مع الفصل والطقس، ومن قذارة الادوات المستعملة في الحلاقة وقص الأظافر والتي تفتقر إلى التنظيف والتعقيم، ومن الحشايا والأغطية المتسخة مما أدى إلى إصابة الكثيرين بالجرب، وفق الدراسة.

وبالنسبة للأكل أجمع المشاركون في الدراسة على أن
الطعام الذي توفره السجون التونسية هو بحد ذاته عقاب. بالإضافة إلى رداءة مذاقه فهو غير صحي ولا تنوع فيه، الأمر الذي يدفع بعض المساجين إلى التعويل على القفة التي تحضرها عائلاتهم.

أما في علاقة بالعنف، ورد في الدراسة حسب شهادات المشاركين أن المعاملة السيئة والممارسات العنيفة المسلطة على الموقوف لا تنتهي بإيداعه السجن، بل تستمر، ، لكن بشكل أقل حدة وايذاء وتواتر مقارنة بما يحدث في  أماكن الاحتجاز التابعة لوزارة الداخلية.

وحسب الدراسة، فإن إدارة السجون وأعوانها هي المصدر الأول للعنف يليها "الكربان"، وهو ناظر الغرفة أو الزنزانة وهو سجين  تفوض له إدارة السجن بشكل غري رسمي بعض السلطة والصلاحيات وبدرجة أقل مساجين آخرين.

ويتراوح العنف بين العنف اللفظي والمادي ويخلف أضرار جسدية لدى المسجونين من ذلك حالات كسور كما أن الألوان يعمدون أحيانا إلى افتكاك متاع المساجين إلى جانب معاقبتهم بالسجن الإنفرادي، حسب ماورد في بعض الشهادات

وفي الجزء المتعلق بالمعاناة النفسية، ورد في الدراسة " لا يخفى على أحد حجم الضيق الذي قد يحسه شخص مسلوب الحرية ومقيد الحركة لمدة طويلة مع نقص النظافة والترفيه والغذاء المقبول والصحي، بالإضافة إلى  أحاسيس ومشاعر تعتمل بداخل السجين في علاقة بالذين يقاسمونه المكان او الذين تركهم خارجه. "

وجاء فيها أيضا أن " قرابة نصف المقيمين في السجون التونسية هم موقوفون ينتظرون المحاكمة ومصير القضايا المتهمين فيها وفترة الانتظار هذه قد تطول أشهرا وسنوات تمر ثقيلة على السجين الذي ينتظر مصيره ما بين الأل والخوف واليأس ويمثل النطق بالحكم حتى وان تضمن عقوبة سجنية نوعا من الانفراج."

وفترة الانتظار، حسب شهادة المشاركين، فترة صعبة تسبب  تقلبات في  المزاج وتأثير في الشهية والعلاقة مع الآخرين إلى جانب  شيوع إحساس بالذنب لدى أغلب المشاركين تجاه عائلاتهم خاصة الأمهات، ففي كثري من الأحوال سجن أحد أبناء العائلة يؤدي إلى تردي وضعها المادي وفقدان عائلها الرئيسي او الثانوي كما يكلفها مصاريف محامين  وبعدها مصاريف التنقل للزيارة و"القفة" وغيرها مما قد يشكل عبئا ثقيلا.

ويعاني البعض من إحساس بالقهر خاصة من يعتبرون أنفسهم مسجونين ظلما أو تلقوا أحكاما قاسية ال تتناسب مع الأفعال المنسوبة إليهم، وبعض من تركوا زوجاتهم وأطفالهم يشعرون بالذنب والعجز وأقسى ما يواجهونه هو نبأ مرض أحد أفراد العائلة أو موته، وتضمنت الدراسة شهادات عن سجينين أحدهما صار عنيفة ويستهلك المخدرات بعد وفاة والده والآخر حاول الانتخار حينما منع من حضور جنازة والده.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.