دبلوماسية حاطب الليل !

في مطلع شهر أفريل من العام الماضي ، وبينما كان رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بصدد إجراء حوار صحفي لاحدى وسائل الإعلام الأجنبية الوازنة في الساحة الدولية أكّد فيه أنّ تونس مازالت تتدارس مسألة إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا من عدمها في ظلّ ترقب توضح الصورة على مستوى تطوّرات المواقف والمقاربات لحلحلة ملف الأزمة السورية، يفاجئ وزير الخارجية آنذاك الطيب البكوش الرأي العام المحليّ والدولي باعلان عودة العلاقات الرسمية مع نظام الرئيس بشّار الأسد في خطوة وصفت بأنّها معالجة للخطإ الذي ارتكبه الرئيس الأسبق محمد المنصف المرزوقي الذي اختار الزجّ بالدبلوماسية التونسية في لعبة شطرنج المحاور الاقليمية والدولية المتنازعة في الشرق الأوسط.

لم ينتظر رئيس الدبلوماسية التونسية كثيرا، إذ سرعان ما أطلّ في تصريح اعلامي مكذبا مساعده وزير الخارجية الذي دعا النظام الحاكم في ما تبقى من سوريا إلى إعادة سفيره إلى تونس.

هذه القصّة الواقعية طبعا تلخّص حالة التخبط الذي اتّسمت به الدبلوماسية في عهد الرئيس الباجي قائد السبسي وتشي مجدّدا بأنّ الحديث عن عودة السياسة الخارجية التونسية إلى ثوابتها الوطنية القائمة على الحياد الايجابي والتوازن كما خطّه الزعيم الحبيب بورقيبة وطبّقه بشكل ناجع بالخصوص الوزيران المنجي سليم(1962-1964) والحبيب بن يحي(1991-1997/1999-2004) هو مجرّد تسويق لخطاب إعلاميّ خشبيّ لم يواكب سيرورة التاريخ والزّمن.

فمن الواضح اليوم أنّ الدبلوماسية التونسية في زمن قائد السبسي لم تقدر بعدُ على الخروج من حالة الارتهان التي سقطت فيها تونس خلال عهد الرئيس المرزوقي، وها هي الآن تؤكد الاصطفاف الأرعن خلف أحد المحاور المتصارعة في المنطقة العربية-الإسلامية رغم محاولة المخاتلة والتدارك في بعض المواقف ولعلّ آخرها ما حصل غداة تزكية تونس لقرار مجلس وزراء الداخلية العرب في دورته 33 اعتبار حزب الله اللبناني تنظيما ارهابيا بالنظر إلى مشاركته في الحرب السورية الطاحنة إلى جانب نظام الأسد المدعوم من قبل إيران ذات المذهب الشيعي قبل السعي للتراجع من خلال التبرؤ من النقطة المثيرة للجدل في البيان الختامي بعد المصادقة عليه على خلفية موجة الادانة الشعبية من قبل المعارضة وقوى المجتمع المدني التونسي.

وقديما ذكر في أحد الأمثال العربية الأثيلة أنّ الرّبيع بن سليمان قال: "سمعت الشافعي –وذُكر من يحمل العلم جُزافاً- قال: "هذا مثل حاطب ليل! يقطع حزمة حطب فيحملها، ولعل فيها أفعى فتلدغه، وهو لا يدري."

كما قال يحيى بن يوسف الزمي: "حدثنا ابن عيينة، قال لي عبد الكريم الجوزي: "يا أبا محمد، أتدري ما حاطب ليل ؟" قلت:" لا"، قال:" هو الرجل يخرج في الليل فيحتطب، فيضع يده على أفعى فتقتله، هذا مثل ضربته لك لطالب العلم، أنه إذا حمل من العلم ما لا يطيقه، قتله علمه، كما قتلت الافعى حاطب الليل."

لهذا قد يجوز القول بأنّ الدبلوماسية التونسية في عهد التوافق السعيد بين الشيخين الصديقين هي أشبه ما تكون بحاطب الليل!

 

آخر الأخبار

الأكثر قراءة

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.