” حلال سينما”.. حينما يجتمع مخرج وإمام على إعادة الحياة الى قاعة سينما قصور الساف

يسرى الشيخاوي-

من قاعة سينما الريو، يأخذ المخرج أمين بوخريص الجمهور إلى قاعة الفن السابع بقصور الساف، قاعة نال الإهمال من تفاصيلها ولكنها ظلت صامدة في وجه النسيان.

على وقع مشاهد موجعة لواجهة قاعة السينما التي بعث فيها المثقف البشير بن سلامة الحياة قبل ربع قرن، تتجلى محاولات لإعادة الروح الى هذا الفضاء المفعم بالذكريات.
رغبة المخرج في فتح قاعة السينما التي تحمل في ثناياها بعضا من ذكرياته واولى الروابط التي جمعته بالسينما، تعانقت مع رغبة الإمام الخطيب علي الذي نادى بفتحها وكان الفيلم الوثائقي الطويل المشارك في مسابقة أيام قرطاج السينمائية "حلال سينما".
حينما يطالعك العنوان تتواتر في ذهنك أسئلة كثيرة عن المغزى من الجمع بين مفردتين لا تتدانيا إلا لتتنافرا، السينما بما هي فن مطرز بالحرية والحلال بما هو توصيف ديني يحد قطعا من حرية السينما.
مع تدفق السرد في الفيلم الوثائقي الذي يتماهى فيه الذاتي والموضوعي، ويتشابك فيه الديني والفني، وينصهر فيه العقلاني والعاطفي، تتوضح ملامح العنوان ويلوح الأمل في الأفق رغم بعض التحفظات.

من الفيلم الوثائقي "حلال سينما" تتجلى مشاكل غلق قاعات السينما على امتداد كامل تراب الجمهورية لتنخر ذاكرة الفن في تونس وتاريخ السينما فيها وتحرم المواطنين من حقهم في السفر عبر الأفلام.
وبين التناقضات التي يطرحها العنوان يوجِد المخرج أمين بوخريص سبيلا ثالثة، كان فيها الإمام الخطيب صوتا عاليا لنصرة فكرة إعادة فتح قاعة السينما، حتى أنه أقام خطبة عن تأثير السينما والثقافة في الأطفال وحشد الدعم لفتح قاعة الفن السابع من جديد.
علي الإمام الخطيب استثمر المنبر ليدافع عن الذاكرة والذكريات، واستثمر كونه مهندسا في إعادة تهيئة المكان وإن كان لا يؤمن بكل السينما على عكس بوخريص.
وبين رغبة المخرج في عودة روح السينما إلى قصور الساف، السينما كل السينما دون استثناءات، ورغبة الإمام في سينما "هادفة" تحتكم الى ضوابط الشريعة الاسلامية، تقارع قاعة سينما الفن السابع كل الصعوبات وتعبق منها رائحة الماضي الجميل وهي تفتح أبوابها لجيل صافح الأفلام عبرها وجيل آخر لم يعرف عنها سوى حكايات مفعمة بالحنين والشجن.
وفي اندهاشة الأطفال وأعينهم تلاحق تفاصيل فيلم "مملكة النمل" للمخرج شوقي الماجري الحي أبدا غصبا عن الموت، حكايات كثيرة راكمتها عين المخرج من خلف الكاميرا وقد تُخفت الكلمات من رمزيتها ان هي روتها.
بعيدا عن الأسلوب الإخراجي الذي بدت فيه قصور الساف حرة بهية رغم الخراب الذي تسلل إلى قاعة السينما، تكمن فرادة "حلال سينما" في الموضوع الذي يفتح باب التأويل والنقاشات على مراعيه خاصة في العلاقة بين الدولة والفن من جهة والعلاقة بين الدين والفن من جهة أخرى.

"قاعة نجيب عياد للفن السابع"، كان هذا مقترح المخرج أمين بوخريص لتسمية القاعة التي ستكون ضمن مشروع مركّب ثقافي يحمل اسم البشير بن سلامة، في لمسة عرفان ووفاء لرجالات لم يبخلوا على الثقافة والفن.

"إلى أرواح من فارقونا، سي نجيب معلما ورفيقا، شوقي الماجري صديقا، وحلمي بن فقيه مهندس صوت الفيلم، نهدي هذا العمل" بهذه الكلمات تزين جينيريك النهاية وتوشّح الفيلم الوثائقي بمسحة إنسانية وايكون صرخة في وجه آفة النسيان.

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.