حكومة بودنّ “الأسوأ اقتصاديّا”.. وتركة ثقيلة أمام أحمد الحشاني

تبيّن جلّ المؤشرات الاقتصادية إلى أن عهدة رئيسة الحكومة نجلاء بودن، "هي الأسوأ" اقتصاديا وماليّا، فنسب التضخم المالي والعجز التجاري والنمو الاقتصادي والبطالة علاوة على الترقيمات السيادية التي تراجعت إلى أدنى المستويات، دليل على أن الأزمة الاقتصادية استفحلت أكثر وتهدّد بانهيار وشيك.

نجلاء بودن (65 سنة) أصيلة القيروان وهي مهندسة وأستاذة للتعليم العالي في المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس ومتخصّصة في علوم الجيولوجيا، عيّنها رئيس الجمهورية قيس سعيد رئيسة للحكومة  في 29 سبتمبر 2021، وتولت منصبها رسميا في 11 أكتوبر 2021 بعد آداء اليمين الدستورية، لتكون بذلك أوّل امرأة في الوطن العربي تتقلد هذا المنصب.

وفي خطاب تكليف نجلاء بودن طالب قيس سعيد أن تكون مقاومة الفساد أولوية الحكومة قائلا: "سنعمل على مقاومة الفساد ثم الاستجابة لمطالب التونسيين والتونسيات في التعليم والصحة والنقل والحياة الكريمة".

لكن بعد عام ونصف تقريبا من تنصيبها، أنهى قيس سعيّد  مهامّ نجلاء بودن دون ذكر الأسباب وعيّن أحمد الحشاني خلفا لها، مخلّفة وراءها تركة اقتصادية ثقيلة وأزمة مالية خانقة أمامه ما جعل جلّ أساتذة الاقتصاد يصفون فترة حكمها بالأسوأ.

"حكومة بودن الأسوأ"

العبارة لأستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا الشكندالي، وصف النتائج الاقتصادية لرئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن بـ"الهزيلة للغاية"،  بل إن فترتها "تعد الأسوء مقارنة برؤساء الحكومات السابقين حتى ما قبل الثورة"، معتبرا أن قرار إقالتها "قرار صائب".    

وحمّل رضا الشكندالي بودن مسؤولية "ما وصلنا إليه من تهاوي في الترقيم السيادي بعد أن فشلت فشلا ذريعا في إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي، بالرغم من توفر الشروط اللاّزمة لإبرامه خاصة بعد استعداد الاتحاد الأوروبي تقديم دعم مباشر لميزانية الدولة وابرام اتفاق القرض مع العربية السعودية والذي قد يدفع بعض الدول الأخرى للانخراط في تمويل برنامج الإصلاحات المتفق عليه مع "النقد الدولي" حتى يتوفر المبلغ المطلوب وهو 2،5 مليار دولار".

وتابع بأن المقترح الذي أعلنه رئيس الجمهورية بخصوص اصلاح منظومة الدعم من سن أداء على من ينتفعون بالدعم بغير وجه حق، لم تقدم حكومة بودن في شأنه أيه توضيحات تقنع صندوق النقد الدولي بجدواه، فهي لم تدافع عن مقترح الحكومة والمضمن في الاتفاق التقني ولم تبلور مقترح رئيس الجمهورية حتى يكون البديل.

مؤشرات اقتصادية متدنية وتركة اقتصادية ثقيلة

على مستوى النمو الاقتصادي، يرى أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي أن حكومة نجلاء بودن لم تنجح في دفع نسق النمو الاقتصادي والذي انخفض من 4،3% سنة 2021 إلى 2،2% سنة 2022 وهو مرشح للانخفاض أكثر من تقديرات الميزان الاقتصادي 1،8%، علاوة على نسبة البطالة التي بقيت فوق عتبة 15 % طوال سنة 2022 ثم ارتفعت الى 16،1% في الثلاثي الأوّل لسنة 2023.

وطوال 18 شهرا من تولّي بودن رئاسة الحكومة، لم تتوقف نسبة التضخم المالي عن الارتفاع حيث ارتفعت من 6،2 % في سبتمبر 2021 الى 10،4% في فيفري 2023، وفق الشكندالي، لتبدأ في الانخفاض بنسق بطيء لكنها تبقى مرتفعة للغاية بالنسبة للمواد الغذائية الأساسية حيث تتعدى عتبة ال 20% بالنسبة للمواد الغذائية الحياتية كاللحوم والبيض والزيوت الغذائية.

العجز التجاري أيضا تفاقم بصورة واضحة حيث قفز من 9،7 مليار دينار سنة 2020 إلى 12،4 مليار دينار سنة 2021 وإلى 19 مليار دينار سنة 2022، ويرى الشكندالي أن انخفاضه في بداية السنة لم يكن نتاجا لتحسن في الصادرات بل انتهاجا لسياسة تقشفية للحد من توريد المواد الأولية اللاّزمة لعملية الانتاج أدت الى انكماش النمو الاقتصادي وكذلك لصعوبات مالية أدت الى عدم القدرة على تأمين توريد المواد الأساسية الضرورية مثل الحبوب والسكر والقهوة والمحروقات وغيرها من المواد الضرورية.

السياسة الجبائية التوسعية والتي اعتمدت على الرفع في الضغط الجبائي من 23،3% سنة 2021 الى 24،9% سنة 2022، والسياسة النقدية الحذرة والتي تمثلت في الترفيع المتكرر في نسبة الفائدة المديرية لتصبح 8%  بعد أن كانت في بداية عهدة بودن 6،25% ولجوء الدولة في عديد المرات إلى الاقتراض عبر البنوك التونسية، أرهق كاهل المؤسسات التونسية المنتظمة وحرمها من السيولة النقدية اللاّزمة وهو ما أضعف الاستثمار الخاص وأسهم في انكماش النمو الاقتصادي، علاوة على تقلص حصة الاستثمار العمومي في ميزانية الدولة من 4،5 مليار دينار سنة 2021 الى 3،6 مليار دينار سنة 2022 وهو ما يعكس عدم اهتمام الدولة بتحفيز الاستثمار الخاص، كعامل أساسي لخلق الثروة المنتجة.

وبالرغم من أن المبالغ المستوجبة على الدولة التونسية من تسديد للقروض الخارجية قد تراجعت بصورة واضحة من 6،1 مليار دينار في سنة 2021 إلى 4،2 مليار دينار في سنة 2022 ثم إلى 6،6 مليار دينار سنة 2023، لجأت الدولة إلى الترفيع في ميزانيتها بصورة مشطة من 53،4 سنة 2021 إلى 70 مليار دينار سنة 2023 وذلك بالاعتماد على الاقتراض الخارجي والذي تضاعف في سنتين من 7،4 سنة 2021 الى 14،9 مليار دينار سنة 2023 وهو ما أدى الى ارتفاع حجم الدين العمومي من 104،3 مليار دينار سنة 2021 الى 124،6 مليار دينار سنة 2023. 

غياب التناغم بين بودن وسعيد

ويرى أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي أنه لا وجود لتناغم أو انسجام بين بودن وسعيد، فرئيس الجمهورية أعلن عن موقف واضح وعن برنامج يعتمد على الصلح الجزائي وعلى الشركات الأهلية، لكن بودن ذهبت في برنامج مغاير لم تدافع عنه في أية مناسبة، بل التزمت الصمت ولم تذهب حتى في تنفيذ جزء منه والمتعلق برفع الدعم على المواد الأساسية وعلى المحروقات المبرمج في قانون المالية لسنة 2023، وبالتالي تتحمل مسؤوليتها كاملة في هذا الخيار، وفق تعبيره.

نفس الموقف ذهب إليه المختصّ في الأسواق المالية بسام النيفر، الذي رأى أن تغيير رئيسة الحكومة نجلاء بودن هو نتيجة طبيعية لعدم قدرة الحكومة على تنفيذ ما يطلبه رئيس الجمهورية.

لكن هل يجب تحميل المسؤولية لنجلاء بودن وحكومتها فقط، ألا يتحمل رئيس الجمهورية قيس سعيد جانبا من المسؤولية أيضا..؟

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.