“حكومة افتراضية” و”حكومة قرطاج”: المخاوف من السيناريو الليبي تُعجّل بحل البرلمان؟

  بسام حمدي –

لا يعدّ قرار حل البرلمان المجمدة أعماله تطورا سياسيا جديدا بقدر ما يمثل إجراء دستوريا وأمنيا يخص وحدة مؤسسات البلاد التونسية ويتعلق بالنزاع على الشرعية ويلخّص في نفس الوقت حدة الأزمة التي وصلت إليها تونس خلال هذه الفترة.

وفي الحقيقية، لا يمكن اعتبار قرار حل البرلمان تمشيا سياسيا جديدا  نظرا لأن مجلس نواب الشعب المجمدة أعماله يعدّ منحلاّ منذ اتخاذ التدابير الاستثنائية وذلك بعد تعليق أعماله إلى حين اجراء انتخابات تشريعية مبكرة تفرز برلمانا جديدا معوضا له ما يعني أن هذا البرلمان انتهت أعماله نهائيا إلى حين انتخاب سطلة تشريعية جديدة. 

ولأول مرة في تونس بعد الإطاحة بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، تطل مؤشرات انقسام السلطة إلى سلطتين وباتت وحدة الدولة في مسرح تجاذبات سياسية حادة قوامها الصراع على الشرعية، ولا يعد الاستناد إلى حكم دستوري يحتم ضرورة الحفاظ على وحدة الدولة مجرد خصام سياسي بل إنه يؤشر إلى أن الصراع بلغ ذروته وبات يتماهى والوضع السياسي في ليبيا.

وبالنظر إلى الحكم الدستوري الذي ارتكز عليه رئيس الجمهورية في اتخاذ قرار حل البرلمان، يمكن القول أن المخاوف من ازدواجية الشرعية ومن تكرار السيناريو الليبي في تونس دفعته إلى حل البرلمان بعد حوالي ثمانية أشهر من تجميد أعماله وذلك بعد ساعات قليلة من عقد بعض أعضاء مجلس نواب الشعب المجمدة أعماله جلسة عامة افتراضية.

ونسب قيس سعيد أسباب اتخاذ القرار إلى أحكام الفصل الثاني والسبعين من الدستور لاتخاذ خطوة تفشل مخططا انقلابيا وفق تقديره.

وينص الفصل الثاني والسبعين من الدستور على أن على "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام الدستور".

ويوحي استناد سعيد إلى الفصل الثاني والسبعين من الدستور في اتخاذ قرار حل البرلمان إلى طبيعة هذا القرار وأسبابه وتداعياته نظرا لكونه فصلا تعلق بوحدة الدولة وبمسؤولية رئيس الجمهورية.

ويبدو أن تبرير سعيد لقرار حل البرلمان بكونه يسعى إلى الحفاظ على أمن الدولة وكذلك اتهام النواب المشاركين في الجلسة العامة البرلمانية الافتراضية بمحاولة الانقلاب، يفسر توجسه من إمكانية مضي البرلمان المجمدة أعماله في التصويت على قرارات أخرى ترتقي إلى سحب الثقة من الحكومة التي تترأسها نجلاء بودن وتشكيل حكومة أخرى موازية لها يمنحها الثقة وربما التصويت على سحب الثقة منه وذلك في محاكاة للسيناريو الليبي الذي تشكلت فيه حكومتين وسلطتين تشريعيتين بعد عدم اعتراف الأحزاب الإسلامية بالانتخابات التي جرت في ليبيا عام 2014.

وفي هذه الحالة، أضحت فكرة التأسيس لحكومة "باردو" تنال الثقة خلال جلسة عامة برلمانية افتراضية قائمة ولم تعد الفكرة مستبعدة خاصة بعد أن فشل خصوم قيس سعيد في تجييش الشارع التونسي ولا في كسب تأييد دولي مناهض لخيارات قيس سعيد.

ولا يمكن التغافل في تبيان خفايا هذا القرار، عن كونه قرارا يمنح رئيس الجمهورية قيس سعيد آليات لفرض عقوبات على بعض خصومه السياسيين استنادا إلى أحكام الدستور المتعلقة بوحدة الدولة وبأمنها القومي سيما وأن الرجل اتهم النواب الذين شاركوا في الجلسة العامة الافتراضية بالتآمر على أمن الدولة الخارجي، وهو ما يوحي بأن قرارات اعتقالات تطبخ على نار هادئة.

وفي قراءة القرار من الناحية الدستورية، بدى جليا أن رئيس الجمهورية قيس سعيد مرتبكا في تأويله للدستور، فقرار حل البرلمان المجمدة أعماله أُتخذ استنادا للفصل 72 الذي ورد في الباب الرابع من الدستور والحال أن هذا الباب  علّق قيس سعيد العمل به بعد إصداره المرسوم عدد 117المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 الذي نص على الإبقاء فقط العمل بالبابين الأول والثاني.

وقد يكون الأمر أبعد من الارتباك ويصل إلى حد تطويع سعيد للدستور إلى خياراته وتفعيله ساعة ما شاء وتعليق العمل به ساعة ما أراد.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.