على النهج الأصيل اصطف العرب مرة أخرى بين داحس والغبراء في تزاحم عاطفي طائفي بين رؤى وانتماءات وبحث عن هوية مفقودة.
الصراع في اليمن المتصاعد من خليط عجيب بين الفشل والرهانات الخاطئة والتحالفات الرديئة لعلي عبد الله صالح على امتداد سنوات حكمه امتزج في صراع غبي مع قبائل حاشد وشيوخها أل الأحمر الذين توهموا أن بانقلابهم على رفيق دربهم وارتمائهم في حضن الإخوان وقطر سيجعل من اليمن محمية يتفردون بنهب أموالها تحت رايات الإخوان وغطاء الحب الأمريكي.
ما تشهده اليمن لا يخرج عن صراع القبائل في البحث عن الانتقام والسلطة في مجتمع خرج من الزمن وعاد للتاريخ وانتقل من تحالفات الدم إلى تحالفات صنعتها المدنية الحديثة ولم يعد للمكان فيها معناه فقط بل صار لتأثيرات ديكتاتورية الجغرافيا وتمدد إمبرطورية تحلم باستعادة أمجادها فعل تأجيج الصدام في اليمن الذي وصل لمرحلة الحرب غير المتوقعة بين الخطر الكامن على الحدود والحرب بالوكالة نيابة عن أطراف بعيدة. الاصطفاف الأعمى بين المؤيدين للمتحاربين أغفل حقيقة صورة تتجاوز واقع المنطقة لحقائق إقليمية ودولية تحدد الممكن والمسموح في هذا الصراع المتدحرج على مهل.
مأساة اليمن ليست وليدة اليوم بل فرضتها جغرافيا البلد المقسم منذ إعادة توحيده بالعنف قبل أكثر من عشرين عام لم تحقق لليمن الجنوبي شيء باستثناء إنهاء الانفصال سوى نقل فشل تجربة الشمال وتحالفاته الغبية من الجماعات الإرهابية والبطولات العسكرية الزائفة وغياب مؤلم لكل مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية. حرب اليمن لم تأت من فراغ بل نتيجة انكفاء خليجي طويل على الأوضاع الداخلية لكل دولها ومحاولة وقف الجموح القطري الغير مسئول والذي قذف باليمن وغيرها من الدول في أتون صراعات لا يعرف أحد نهاياتها أو نتائجها، وأدخل جماعة الإخوان المسلمين في التركيبة القبلية اليمنية للتتحول صراعات القبائل إلى حروب وصراعات سياسية تتطاحن من أجل تمرير مشاريع نتائجها في المحصلة لا تخدم أمن واستقرار اليمن وإمكانية إخراجه من أزمة التخلف والجهل وتردي الأوضاع بشكل مهول.
حرب اليمن رغم أهمية المنطقة استراتيجيا للعالم أجمع تحولت فجأة لحرب منسية رغم أنها حرب جديدة تثير اهتمام وسائل الإعلام والمحللين، في رسالة واضحة للجميع أن لا تغيرات إستراتيجية مسموح بها في بحر العرب وبوابتي العالم مضيق هرمز وباب المندب، وحرية الملاحة وتدفق النفط والسفن التجارية قضية تضمن القوى الدولية مجتمعة عدم المساس بها أو الاقتراب منها، مما سيجعل الصراع السعودي الإيراني محكوماً بعدم التوسع في أي اتجاه وأقصى ما يمكن لطهران تحقيقه تحسين شروط التفاوض مع السعودية ومع واشنطن التي بدأت تستوعب أن الفوضى الخلاقة ستقود لضرب وتهديد مصالحها بشكل جذري في منطقة الخليج إن هبت عليها رياح الفوضى. طهران تفهم جيداً أن اليمن عمق استراتيجي للسعودية لا يمكن الاقتراب أو المساس به لأن ذلك سيفتح أبواب العمق الاستراتيجي الإيراني للمساس به والذي رغم قوة الدولة الإيرانية أكثر هشاشة واختلافات عرقية يمكن أن يؤدي إشعالها لتهديد الوحدة الترابية لإيران كدولة متماسكة.
السعودية أيضا تفهم حدود المعركة التي لا تريد توسعها للتحول لحرب إقليمية مع طهران يصعب ضبط نتائجها وتمددها، تماماً مثل القوى الدولية الساعية لبقاء الصراع في محيطه العسكري الضيق مما يمهد بعد انتهاء فورة الغضب السعودي على تجاوز الحوثيين لحدود ما يمكن قبوله في المنطقة محلياً ودولياً للتوصل لإعادة ترتيب البيت اليمني بشكل يضمن عدم تفتيت اليمن لدول قبائل والحد من نفوذ قطر والإخوان في المشهد السياسي اليمني، والعودة للتفاهمات التي حققها المبعوث الخاص للأمم المتحدة جمال بن عمر باعتبارها الحل الممكن لإيجاد مخرج معقول للأزمة اليمنية. المقلق الوحيد في كل أتون الصراع هو الموقف الأمريكي فلا أحد يعلم حدوده الذي كعادة عقل حكام واشنطن يريدون عبر منهج البراغماتية العمياء أن يحققوا أكبر مكاسب سياسية ومالية ممكنة عادة ما تنتهي بالفشل وإغراق المنطقة كاملة، في كارثة فهم العقل التجاري للسياسة وراء المحيطات التي تفصلها عن العالم.