يسرى الشيخاوي-
"ما ضرّكَ لو أطفأ هذا العالم أضواءه كُلَّها في وجهك، ما دامَ النُّور في قلبك متوهجاً"، كلمات لجلال الدين الرومي تقفز إلى ذهنك وأنت تجول بأنظارك بين تفاصيل معرض "حديث الضوء"، معرض يخاطب كل حواسك عبر النور العالق في الكلمات والصور والمنحوتات.
والنور المشعّ من بين ثنايا المعرض ليس امتدادا لأرواح الفنّانين الذي خلقوا عبر الفنّ حيوات تشبههم وترتوي من النور الساكن في قلوبهم، نور يتجلّى في ابتساماتهم الحالمة ونظراتهم المفعمة بالأمل والمحبّة.
منحوتات اوجدتها أنامل الفنانة زكية الحديجي تروي حكايات كثيرة عن الحب والحلم والحياة بكل تناقضاتها، وصور التقطتها عيني الفنان كريم كمون توثّق للحظات الولادة والإنسانية والانعتاق من كل القيود وكلمات أوجدتها قريحة الفنانة ريم الرقيق تحاكي مسيرة الإنسان في دروب الحياة وانفعالاته المفعمة بالمشاعر.
وفي زوايا فضاء التياترو "تحوّل الصمت المقيت.. حديثا بالغا لا منتهاه"، ونبتت للمنحوتات والصور والكلمات أجنحة تحملك إلى عالم سرمدي لا كره فيه ولا شرور، عالم يتسلل النور من كل أركانه ليطمش كل ظلمة.
وبين المنحوتات والكلمات والصور امتدّت خيوط من الضوء تراود كل حواسك وتأسرك بين ذبذباتها الحبلى بمعاني الوجود، وصار للجماد أرواح ثائرة متمرّدة تتخطّى كل حدود المنطق لتعانق وجه الحياة الباسم.
وأنت توغل بوجدانك وعاقلك وكل مسامك بين الألوان والحروف وتشكيلات الجبس تتفتّق ذاكرتك عن روايات كثيرة بعضها مسكون بالألم والوجع ولكنّ تلك العين الناطقة بالتحدّي في صور لكريم كمون ترتق الفتق وتدعوك إلى الاستمرار في المقاومة.
وإن هبّت عليك بعض الذكريات المظلمة سيئدها نور تلك الشمعة المتّقدة في منحوتة لزكية الحديجي، منحوتة بمنافذ كثيرة تعبق منها رائحة الأمل والتفاؤل فلا تملك إلا أن تفرك عينيك وتغوص في الثقوب وتنفث الحزن على جرعات.
وإذا ما افتكرت بعض الخطب الخاوية على عروشها فتفتّحت جراحك فلن تجد غير كلمات ريم الرقيق بلسما ينسيك الوجع ويلقي بك في عالم من الشاعرية لا هامش فيه ولا مرض ولا ألم، فقط نشوة وسكينة تلامس بها النيرفانا.
وفي "حديث الضوء" يتعانق النحت والتصوير والشعر ويخلق كل من الفنانين الثلاث حبره الخاص الذي يخطّ به روايته عن الحياة بمختلف تقلّباتها ولكنّها تلتقي عند الإصرار والإرادة والتحدّي والمضيّ قدما حيث مكمن النور.
