“حبيب” لشادي فؤاد: بعض الابتسامات دموع نسيت طريقها

 يسرى الشيخاوي- 

حينما يتعمّق الحزن ويتغلغل في روح المرء حتّى تفقد الدموع قدرتها على التعبير عنه، تتجلّى تعبيرات أخرى تقارع التعوّد على الألم والوجع وتخلق شكلا جديدا من مقاومة الموت البطيء، ذلك الموت المعنوي الذي تخضع له كل الأحاسيس والحواس ولا يحالفها النسيان في الخروج من سجنه.

وبعض الابتسامات دموع نسيت طريقها أو تناسته في غمرة قطع الطريق على الذكريات، ذكريات تلهب اللوعة في قلب حبيب خطف الموت حبيبته ورماه في أحضان الوحدة، هي تلك الابتسامات التي صوّرها المخرج المصري شادي فؤاد في فيلمه "حبيب".

والفيلم الروائي القصير يحكي قصّة " حبيب" حلّاق يكاد يعانق السبعين من العمر، يمضي ساعاته في صالون الحلاقة الخاص به يوزّع دعاباته بين الرؤوس التي يمرّر عليها مقصّه، ويزيّن تفاصيل يومه بمحاولة تنفيذ طلب من زوجته، طلب راوح تنفيذه بينه الكوميديا الصريحة والتراجيديا المختبئة وراء ابتسامة.

واختيار اسم الفليم واسم الشخصية المحوريّة ليس بالاعتباطي وحمال رسائل، فـ"حبيب" هنا ليس إسما فقط بل عين على كل حبيب فقد شريكه في رحلة العمر، كل حبيب يمدّ يده نحو الذكريات ليخرسها لكنّها تأبى إلا ان تصرخ وتعيده إلى زمن يؤلمه بقدر ما يفرحه.

وانت تُشاهد تفاصيل الفيلم ستكون وجها لوجه مع شخصية مركّبة نجح الممثل المصري سيّد رجب في تجسيدها دون مبالغة في الأداء، حتّى بدت المشاهد واقعية جدّا وتجاوزت إطار الشاشة التي يُعرض عليها الفيلم المشارك في المسابقة الرسمية للفلام الروائية القصيرة في أيام قرطاج السينمائية.

وقد يبدو للبعض ان طلب الزوجة الذي يسعى "حبيب" لتنفيذه غريبا، إذ أنّها تريد أن تغيّر صورة زفافها بعد أن ترتدي فستانا جديدا ويرتدي زوجها بدلة جديدة، وبين البحث عن بدلة جديدة وارتدائها قد تنهمر دموعك من فرط المواقف المضحكة، من محاولة " حبيب" استبلاه بائع البدل إلى التقاط الصور إلى تركه زبائنه على دكّة الاحتياط، إلى حركاته أثناء الصور.

أما عن مكان التصوير، فقد دارت كل الاحداث بين صالون الحلاقة ومنزل "حبيب" وهما مكانين متلازمين، باستثناء مشاهد قليلة في الشارع وفي محلّ بيع البدل، وكأنّ المخرج أراد أن يبرز أن "حبيب" مرتبط ارتباطا وثيقا ببيته وصالونه، وكأنّه أراد أن يقول إن بعض الأشياء لا تحرّرنا من أسرها مهما تواترت الأيام.

وتلك الابتسامات التي يغالي المخرج في إبرازها، تخفي في الواقع صراعات نفسية يخوضها "حبيب"، وهو الزوج الذي فقد زوجته ولم يتقبّل رحيلها فاخترعها في خياله وصار يحاكيها متجاهلا كل النظرات التي ترميه بالاستغراب حينا والشفقة أحيانا.

تفاصيل موجعة لفراق تختلف أشكاله ولكن يتشابه وقعه في الأنفس، نجح المخرج في حبكها بنصّ بسيط ومشهدية تقطع مع الإسقاط، وبعضا من التشويق إذ ان أحدا لم يكن يتوقّع أن زوجة "حبيب" التي تؤدي دورها الممثلة المصرية سلوى محمد علي متوفاة وأن "حبيب" كان يناجي طيفها.

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.