جرحى الثورة يخوضون ملحمة أخرى..

يسرى الشيخاوي-
في الوقت الذي يتحدّث فيه رئيس الجمهورية عن مؤسسة فداء التي تعنى بعائلات شهداء الثورة وجرحاها والشهداء والجرحى من العسكريين والامنيين، كان جرحى الثورة يخوضون ملحمة أخرى بعد ان أقدم أربعة منهم على خياطة شفاههم.
أمام الوعود الواهية والتسويف المتواصل، لم يبق أمام جرحى الثورة وعائلاتهم وعائلات شهدائها إلا التصعيد، وكان البدء باعتصام سلمي في ساحة القصبة جوبه بعنف بوليسي في مشهد سوريالي يتسلل من بين تفاصيله سؤال " هل حقا قامت ثورة في تونس؟".
ولا تلبث الإجابة أن تقفز من بين الصور، صور الجرحى الذين أقعدهم الرصاص عن الحراك وأفقدهم أرجلهم ولكنهم مازالوا صامدين مقاومين لكل محاولات تبخيس الحراك الثوري، هم هنا شاهدون على الثورة وامتداد للأصوات التي صدحت " شغل حرية كرامة وطنية".
جرحى الثورة وعائلات شهدائها يخوضون إضراب جوع في مقر الهيئة العامة للمقاومين وشهداء وجرحى الثورة والعمليات الارهابية منذ ما يزيد عن العشرة أيام، ولكن السلطات لا تحرك ساكنا وكأن آذان المسؤولين صمت عن مطالبهم التي لن تكلّف الدولة الكثير. 
هم لا يطلبون أموالا طائلة ولا تعويضات تثقل كاهل الاقتصاد، كل ما يطلبونه هو نشر القائمة النهائية لشهداء الثورة وجرحاها في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية، ولكن الحكومات المتعاقبة تمعن في رفض نشرها ليظل الملف محل مزايدات وتسويات سياسية بحتة.
أكثر من سنة تمضي اليوم على تاريخ نشر الهيئة العليا لحقوق الانسان والحريات الاساسية، القائمة النهائية لشهداء الثورة ومصابيها بموقعها الالكتروني ولكن رئاسة الحكومة لا تخطو أية خطوة في اتجاه إكسائها بالصبغة القانونية  التي تضمن الحقوق لأصحابها.
في الوقت الذي يغط فيه المسؤولون في سبات عميق ويمعنون في طمس كل معالم الثورة وإسكات كل نفس ثوري، يغرز جرحى الثورة مسلم قصد الله ووائل قرافي ومحمد بن عون ومحمد مصري إبرا في شفاههم، لن يتكلموا ولن يأكلوا حتى يتحقق مطلبهم.
صورة جريح الثورة خالد بن نجمة وهو يترك أثر الخيط على شفاه الجرحى الأربعة يهز الكيان ويطرح أسئلة كثيرة ستظل معلقة دون أجوبة، لا احد يمكنه أن يشعر بما اعتمر صدره وهو يدس الابرة في شفاه رفاق الدرب.
ولا أحد يمكنه أن يستشعر ألم من اختاروا خوض المعركة حتى النهاية، فمن خبر وجع الرصاصة وهي تخترق جسده وتحمل معها جزءا منه لن تضره وخزة الإبرة ولكن يضره ويوجعه الإمعان في إذلالهم وتجاهل مطالبهم.
"لا نريد مناصب، لا نريد شيئا باستثناء تطبيق القانون، وإن كنا على خطإ فلندفن أنفسنا، نحن لا نريد أموالا كما تروج النفوس المريضة كل ما نريده نشر القائمة الرسمية لشهداء الثورة وجرحاها في الرائد الرسمي، نريد حق الشهداء والجرحي وحق التونسيين المؤمنين بالثورة"، كلمات ترشح وجعا وغضبا لفظها جريح الثورة مسلم قصد الله وهو يتساءل عن السبب الذي يحول دون تطبيق الدولة لهذا المطلب.
رسائل كثيرة بثّها قصد الله إلى المسؤولين من رئيس الجمهوري إلى رئيس الحكومة فرئيس مجلس نواب الشعب قائلا " إن لم تنشر قائمة شهداء الثورة وجرحاها في الرابع عشر من شهر جانفي جهزوا لنا الصناديق لأننا لن نكون أحياء حينها".
إلى من باعوا الدم وخانوا البلاد، نثر كلماته وهو يتوسط جرحى الثورة الذين تفيض أعينهم بأحاديث تعجز الكلمات عن ترجمتها، معلنا مضي جرحى الثورة وعائلات شهدائها قدما في التصعيد فإما الحقيقة وإما الموت، وفق قوله.
وإن أضر بعض الجرحى بأجسادهم حينما أقدموا على إضراب الجوع إلا أنهم ماضون في معركة افتكاك حقهم في نشر القائمة الرسمية لشهداء الثورة وجرحاها لأنهم مؤمنين بقضيتهم حتى النفس الأخير، على أمل أن تتحرك السلطات المعنية وتحرك الملف الساكن.
 
 
 
 
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.