تونس وثورة الجوع القادمة

 بسام حمدي-

"شعب سينتفض ضد الغلاء والجوع" ليست حكمة وليست مقولة فلسفية بل هي نوايا ملايين التونسيين الذي أطاحوا بدكتاتورية نظام بن علي وهي مقولة ألفيناها في كل مجالس هذا الشعب الذي أحس أفراده باليأس بسبب جوع وفقر استبد بهم وشدهم اليه حد العناق رغم ارتفاع منسوب الحرية لديهم فلا " حريات ولا كرامة للإنسان ما دام يعانقه الجوع والمرض، والتحرر المادي أول مرحلة في سبيل التحرر الفكري والمعنوي وفق طرح المفكر الأردني فهمي جدعان".

أحداث تاريخية عديدة تخبرنا بأن ثورات الجياع أطاحت بامبراطوريات وجمهوريات عظيمة وعروش عريقة في العصر الحديث بدءا من ثورة الحرافيش في زمن المماليك ومرورا بالثورة الفرنسية في عصر ماري انطوانيت ووصولا الى ثورة تونس لسنة 2011 التي لم تكتمل، وهذا النوع من الثورات قد يطيح بمنظومة الحكم الحالية في تونس بسبب الجوع الذي حل ببلادنا.

وفي تونس اليوم تبرز كل المؤشرات والأوضاع الاقتصادية والتقلبات وممارسات المنظومة الحاكمة أن شعبها أصبح جائعا وفي ظرف يستوجب انتفاضة ثانية أو استكمال الثورة لافتكاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بعد أن افتك حريته في انتفاضة أولى جرت سنة 2011 ونجح خلالها في الاطاحة بنظام استبد بحريته.

تأزم الوضع الاقتصادي وبلوغ مرحلة الجوع وارتفاع مؤشرات الفقر كلها علامات توحي لشعب هذه البلاد الغنية كونه استطاع استرداد حريته لكنه لم يحصل بعد على كرامته الاجتماعية رغم أن شعار الكرامة تصدّر مطالب انتفاضة 2011 ومعلوم أن الكرامة شديدة الارتباط باشباع الذوات وتحقيقها لاكتفاءها الذاتي.

 ومرة أخرى نستشهد بالتاريخ الذي يؤكد أن الانسان الجائع قادر على فعل أي شيء للحصول على قوته فالفقر قرين الكفر ويؤكد أن ثورة الجياع تكون مدمرة لا هوادة فيها، فالشخص الذي لا يملك شيئاً لا يخاف على فقدان أي شيء، والشعوب الجائعة لا تستطيع الصبر طويلاً  خاصة اذا علمت أن هذا الجوع مفروض عليها بسبب سرقة أموالها من قبل سلطة فاسدة.

وضع تونس اليوم يوحي بكون السيل قد بلغ الزبى أو فاقه منذ مدة ، شعب في وضع تخبط وجوع، طبقة وسطى اندثرت وتقلصت من 70 بالمائة من مجموع التونسيين سنة 2010 إلى حدود 55 % سنة 2015 والمقدرة الشرائية تدهورت وأصبحت قطاعات التعليم والصحة معروضة في الأسواق التجارية، فشعب ثورة الخبز أصبح اليوم يفتقد الى الخبز ولا يقدر على توفير ما يأكله بالخبز.

وفي هذا التقييم لا نصطف كمعارضين للحكومة أو ناقدين لها ولا نحرض شعبا على الانتفاضة أو الثورة، بل نقرأ مؤشرات يعلمها جل التونسيين الذين فاق سعر الكيلوغرام من لحم الخروف أجرهم اليومي وأصبح شراء هذا الكيلوغرام حلما يرنو رب العائلة لتحقيقه لاسعاد عائلة حظها الوحيد كونها رعية لحكومة برنامجها الوحيد تفقير الشعب.

ثورة الجوع أطلت بعض ملامحها في فرنسا في انتفاضة أصحاب السترات الصفراء وتجلت اليوم في السودان وربما ستتوج في تونس بلاد الحرية والتوق الى تحقيق الكرامة الوطنية وستطيح برموز المنظومة الحاكمة، ثورة كانت بالاحتجاجات أو بصناديق الاقتراع، و"تونس اليوم" تعيش في المجهول السياسي والفقر الاقتصادي، فلا الخطابات السياسية أشبعت شعبا ثار من أجل الحرية ولا صراعات الساسية حققت كرامته.

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.