يحال المدون ياسين العياري من أجل نشر مقالات تضمنت اتهامات لوزير الدفاع وبعض الضباط القياديين بالجيش الوطني، فما هو الرد الإجرائي الذي تقتضيه أصول التتبع كما جاء بها قانون المرافعات الجزائية ؟
هل بإصدار قرار في تتبع كاتب المقالات كما حصل في صورة الحال؟ طبعا لا.
الأصل هو ان يفتح تحقيق في مدى صحة الإتهانات المنسوبة للأفراد المنسوبة اليهم الأعمال الإجرامية ، ولا يمكن تتبع ياسين العياري إلا بعد ثبوت بطلانها بواسطة حكم صادر عن محكمة مختصة أحرز على حجية اتصال القضاء. هذا ما يقتضيه القانون .أما السياسة المراد منها خرق القانون وتصفية الخصومة عبر توظيف القضاء فقد اتخذت منحى عكسيا لأصول القانون وتعمدت المناورة والتهويش فإذا بالأفراد المنسوبة إليهم الجرائم يتخفون وراء "المؤسسة العسكرية" التي أصبحت هي المستهدفة . وبالتالي يقع اخراجهم من دائرة المساءلة ويوضعون فوق القانون وسلطته ويصبح مُتهمهم هو الذي يجب مقاضاته وتتبعه من أجل ما نُسب اليهم من تهم لم يقع التحقيق في مدى صحتها من عدمه ،وبذلك نمر من حكم القانون الى حكم السياسة ،فالمعلوم أن ياسين العياري إنما رام من خلال مقالاته إصلاح المؤسسة العسكرية التي وضعها المستهدفون من مقالاته درعا للتفصي من المسؤولية تماما كما كانت تفعل الدكتاتورية ،اذ كان نقد سياستها يعتبر نيلا من "النظام العام" أو من "صورة تونس ".
وللتذكير فإن رجل الأمن الفاضل سمير الفرياني الذي اتهم أعوانا ومسؤولين بوزارة الداخلية بإعدام جزء من الأرشيف عرف نفس المصير ، فعوض فتح تحقيق في الموضوع ، تم خطفه والإعتداء عليه بالعنف الشديد ثم أحيل على القضاء العسكري الذي اصدر في حقه حكما بعدم سماع الدعوى وهو ما تأكد من خلاله صحة الوقائع التي أثارها بشأن اعدام الأرشيف والأخطر من ذلك مناورة الإخراج القضائي التي يتم تحت دخانها إقناع الرأي العام بأن الموضوع هو من أنظار المحكمة التي "ستطبق القانون" في مسعى مفضوح لتوظيف القضاء من جديد إن لم يكن للبطش بالخصم السياسي فإفشاء مناخ من الترهيب يعقد الألسن ويعطل الأيدي عن كشف الغطاء عن كل خلل أو جرم أو تجاوز، إننا نكرر أن محاكمة ياسين العياري هي محاكمة سياسية ولا علاقة لها بتطبيق القانون الذي تحول إلى مجرد أداة بيد من حرصوا منذ هروب الطاغية على عدم فتح الملفات وعدم المحاسبة وتأمين الإفلات من المساءلة والعقاب وهي لعمري أسس النظام الإستبدادي الذي حرص بعد 14 جانفي 2011 على عدم التخلي عنها باعتبارها من شروط بقائه . المحاكمة ليست في حقيقتها سوى محاكمة قوى المضادة للثورة ،للثوار العنيدين حاملي مشروع الديمقراطية وعلوية القانون بعد صلاح مؤسسات الدولة.
أخيرا لا بفوتني أن أسجل لكم كم شعرت بالحزن والإحباط وانا أعود لأشارك في ذات المشهد الممل المنهك وذات المسرحية التي يوظف فيها القضاء وقد كان من المفروض بعد الثورة أن يتحرر من تأثير من تعودوا على وضع أنفسهم فوق القانون ، أولئك الذين يعتقدون أنهم منحدرون من سلالة "الشرعية التاريخية"وغيرها من مسوغات الإستبداد والطغيان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*محام وسياسي