سجّلت قيمة الدينار التونسي مقابل العملات الصعبة كالأورو وخاصة الدولار الأمريكي سقوطا كارثيا وتاريخيا لم يسبق له مثيل منذ تأسيس دولة الاستقلال.
ويتزامن هذا المؤشر السلبي مع نشر عملية سبر آراء في مؤسسات اعلامية ذات حظوة في المشهد التونسي منحت لحكومة جمعة نسبة رضا شعبي وصفت بالقياسية(66.8 بالمائة) بناء على ما يعتبره البعض "نجاحات باهرة" تحقّقت من قبل الفريق الحكومي الحالي الذي استلم دواليب السلطة في ظروف اتّسمت بتوافق الفرقاء السياسيين وتراجع منسوب الضغوطات بصفة عامة مع وضوح خارطة الطريق التي أعدّها الرباعي الراعي للحوار الوطني.
فما مدى وجاهة هذا التقييم؟ وبماذا يفسّر انهيار قيمة الدينار التونسي في الأسواق العالمية لا سيما ونحن نعلم أنّه هو المحرار والمحك الدقيق لكشف حقيقة الأوضاع الاقتصادية ومن خلفها الاجتماعية للبلاد والعباد؟ وماهي الحلول الكفيلة بمعالجة هذا الانخرام؟
حاجة ملحّة لبرنامج إنقاذ
أكّد الخبير الاقتصادي معز الجودي ، في تصريح لحقائق أون لاين اليوم الثلاثاء ، أنّ البلاد في حاجة إلى برنامج انقاذ عاجل بسبب التداعيات الخطيرة التي رشحت عن انهيار قيمة الدينار ممّا أدى إلى تصاعد وتيرة التضخم المالي وارتفاع الأسعار من أجل تدارك عجز الميزان التجاري الذي يشهد اختلالا جارفا.
ويرى محدثنا أنّ وضع الدينار التونسي يعطي فكرة عن مدى تدهور حالة الاقتصاد الوطني بالنظر إلى كونه محرارا للواقع الاستثماري والمالي ومناخ الأعمال.
هذا وقد أوضح الجودي أنّ الدينار يتحدّد سعره حسب العرض والطلب ومعدل أسعار العملات الأجنبية ، مشدّدا على أنّ ربطه بالمعاملات الاقتصادية على الصعيد الدولي والمحلي ساهم في هذه النتيجة التي وصلتها قيمته.
وبيّن الجودي أنّ غياب الثقة في الاستثمار وتهرئة الاقتصاد جعلا الدينار يُعرض للبيع أكثر من الطلب مفيدا أيضا ان زيادة قيمة العملات الأجنبية يساهم بشكل أو بآخر في هذا التدهور.
وأضاف قائلا إنّ الدينار التونسي لم يعد مطلوبا مقارنة بالدولار الذي عرف تصاعدا في قيمته(الدينار التونسي أضحى يساوي 0.52 بالدولارالأمريكي).
وفي ذات السياق،أبرز الجودي أنّ الحلّ يكمن في تدعيم مناخ الثقة والاستقرار الذي أفرزته الانتخابات الأخيرة داعيا إلى التسريع في تشكيل الحكومة ووضع برنامج انقاذ للاقتصاد والاستثمار الذي يتطلّب بناء جوّ اجتماعي غير مضطرب بعيدا عن التجاذبات.
عوامل متشعّبة
من جهة أخرى ،أكّد الخبير الاقتصادي عادل قرار أنّ الزيادة في الأجور، و تفاقم المشاكل الاجتماعية ونقص الإنتاجية وعجز الميزان التجاري خاصة المسجل في سنة 2013 كلها عناصر مجتمعة لعبت دورا بارزا في تواصل تدني الدينار التونسي.
وأوضح محدثنا أنّ الحل الأمثل للنهوض بالدينار التونسي ، يتمثل في الحد من الواردات الموجهة للاستهلاك والمكلفة على الدولة كالسيارات، وتعزيز الصادرات عبر عودة نسق الإنتاج والانتاجية وخاصة في مجال الفسفاط.
وعمّا إذا كان لطبيعة العلاقة مع المؤسسات المالية العالمية دور مؤثر على قيمة الدينار، أفاد عادل قرار أنّ العرض والطلب على العملة الصعبة من المؤسسات المالية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي يلعب دورا ايجابيا وسلبيا في نفس الوقت، نظرا لكون الدينار التونسي سيتحسن فور ضخ العملة الصعبة المتأتية من القروض ويساهم في تعزيز عنصر الثقة، غير أنّ هذا التحسن يكون ظرفيا ووقتيا باعتبار أنّ القروض أغلبها استهلاكية وليست استثمارية.