“تجليات مودع” .. حينما تتسلل الحرية إلى داخل السجون

 يسرى الشيخاوي- 

في خشبة المسرح بعض من الحرية، وفي الفعل المسرحي ثورة وانعتاق، ومن عناصر المسرح تتفرع ثنايا لكسر كل القيود والأغلال، وفي تفاصيله تنتفي الجدران وتتداعى الأسوار.

هو الإيمان بالفن عموما والمسرح، خلاق اجنحة تحلّق بك بعيدا عن الواقع وتشرّع لك أبواب الخيال والحلم وكلما رفرفت سرّبت الحرّية إلى داخل السجون تماما كما فعل المسرحيون المشرفون على نواد داخل الوحدات السجنية.

لأن الثقافة حق للجميع حيثما كانوا ولأن السجن لا يحرم المودع من حقّه في ممارستها دخلوه وزادهم الشغف وحب الحياة وكان أن زرعوا البذرة وراء البذرة ونما الأمل وأينع وزيّن كآبة واحدة وعشرين وحدة سجنية.

واحد وعشرون فنانا مسرحيا، فتحوا أبواب السجن بمشروع يراوح بين الفني والإنساني، وتتالت الأعمال المسرحية التي تقاسموا فيها الهواجس مع المودعين في السجون التونسية من نساء ورجال وأطفال.

وفي "تجليّات مودع" يتجدّد الموعد مع الخشبة لخلق واحد وعشرين عملا مسرحيا قصيرا، والمشروع يتعدّى كونه ممارسة ثقافية أو فنية إلى متنفس ومناذ لنزلاء السجون يعانقون من خلاله الحرية ويكتبونها على طريقتهم.

من الكتابة فتشكيل عناصر السينوغرافيا والديكور وبناء الشخصيات ومنعرجاته الدرامية والسيكولوجية، تتعدّد تجليات المودع للكون من حوله وتمثلاته للحرية من وراء القضبان ويمدّ طريقا يمضي فيه إليه ويتخطّى الأسوار.

في العشرين من شهر أكتوبر الماضي أشرقت أولى تجليّات المشروع بعد لقاء جمع المشرفين عليه ورسموا ملامحه، وسيكون لهم لقاءات مع المودعين لمدّة خمسة عشر يوما لمدة أربع ساعات تتولّد إثرها أعمال مسرحية قصيرة تتراوح بين العشرين والثلاثين دقيقة على ألا يتجاوز عدد النزلاء المشاركين في الإنتاج خمسة نزلاء مراعاة للإجراءات الأمنية، وفق حديث المشرف على المشروع زياد غنانية لجريدة المغرب.

إثر التجربة داخل السجون وسيل اللقاءات والعروض سيكون النضج رفيق مشروع "تجلّيات مودع" إذ طعمه المشرفون بملاحظات الجمهور والنزلاء، وفيه ستتعمّق اللحمة بين المودع والمؤطر وتنكسر كل الحواجز وينهمر الابداع من ذوات تحررت من سجنها المادي بفعل المسرح.

والحديث عن المشروع المسرحي الذي سيحرر النزيل من بوتقة القضبان، يقود إلى تجربة الفنان المسرحي محمد أمين الزواوي الذي كانت تجربة التأسيس للمختبر المسرحي بسجن برج الرومي سنة ستة عشر وألفين بمثابة نقطة الضوء الأولى التي امتدّت وتوسّعت حتّى عمت سجونا أخرى بفضل مسرحيين يؤمنون بدور الثقافة والفنون في التغيير.

تجارب مماثلة خلقها مسرحيون، رأوا في هذه التجربة مغامرة ومجالا لإثبات أن المسرح أخ الحرية والثورة والتمرّد وغاضوا المغامرة التي لم تكن سهلة في بدايتها ولكنهم صنعوا من التفاصيل الصعبة أعمالا مسرحية لفتت إليها الأنظار.

وفي مختبر برج الرومي المسرحي، كان ميلاد اول عمل مسرحي عربي من إنتاج مودعين بالسجن يعرض خارج أسواره سنة سبعة عشر وألفين، سنة لاحقة يخلق المساجين مسرحية الدبو، لتتلوها سنة اخرى حملت في طياتها مسرحية " جوجمة حس" التي تحصّلت على جائزة المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب في إطار أيام قرطاح المسرحية في الدورة الماضية.

الأعمال المسرحية الثلاثة التي أخرجها محمد أمين الزواوي تتعدى العمل الفني إلى التجربة الإنسانية والوجودية التي يقف فيها الفنان في خطّ فاصل بين الحرية والسجن فيبدو المسرح وكأنه برزخ يفصل بين عالمين أحدهما واقعي والآخر متخيّل.

 ومن عرض وحيد لمسرحية "وجيعة"، تتالى خلق العروض المسرحية في السجون لتبلغ الأعمال المزمع إنتاجها هذه السنة واحدا وعشرين عملا وظل محمد أمين الزواوي وفيا لعهده، إنسانا وفنانا يلاحق أحلامه ويكتب هواجس المودعين بعد أن يفكّ شيفرات أرواحهم التواقة للحرية.

وفي برج الرومي مازال ينثر الأمل والحلم وينفخ من روحه في تفاصيل التجربة التي صارت جزءا منه، وفي تجلّيات مودع يقتبس نصا بتصرف من مسرحية ريتشارد الثالث لشكسبير، ومع خمسة نزلاء يرسم ملامح عمل يجسّد الصراع سياسيا ومجتمعيا.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.