“بيدون 3.. ديما لقدّام” أو المباشرتية المربكة

  يسرى الشيخاوي- 

 

"بيدون3.. ديما القدام" فيلم للمخرج الجيلاني السعدي، وهو مواصلة لسلسة من الافلام التي أراد من خلالها أن يروي قصصا فئة من المهمشين، أولائك الذين لا يمكنم التطبيع مع المحتمع وعاداته وتقاليده وقوانينه، اولائك المختلفين الذين يغنّون خارج السرب وهي رؤية سينمائية  مغايرة لمعنى كلمة "البدون" أي الشعوب عديمة الجنسية.

والفيلم الذي سيعرض في قاعات السينما انطلاقا من يوم الأربعاء 3 أفريل، حكي سينمائي مباشر لأحداث مستمدّة من الواقع، أحداث يسيّرها شابة مغرمة بالغناء لم يحترم والدها توجّهها فهربت من "سجنها"( لينا العش) وسكّير فقد أمّه وأمعن في عربدته(حشاد الزموري) تجمعهما كاميرا السعدي على الطريق السيّارة تونس بنزرت وكل منهما يحمل شعلة حياته بين يديه على شكل " فنار".

هو لقاء بين شخصين لا ينتميان لنفس الجيل ولا البيئة ولكنّهما ينحدران من نفس المكان، بنزرت التي يطغى حضورها على أفلام السعدي، لقاء قد يبدو للبعض عاديا وللبعض الآخر غريبا عقب مسارين منفصلين لواقع "مومو" و"دوجة"، حتّى أنّك ستخال أنّك أمام فيلمين وثائقيين عن شخصية الفنانة الشابة من ناحية وشخصية السكير من ناحية أخرى.

وفي حديثه عن هذا الانفصال بين الشخصيّات في بداية الفيلم وكأنها لا تحتكم لسيناريو واضح، يقول المخرج الجيلاني السعدي إنّه لا يميّز بين الوثائقي والروائي في أفلامه، وأنّه يعيش التجربة كاملة مع الممثلين وأنّه يترك لهم الحرّية كاملة في الأداء، معتبرا أنّ الشخصية هي التي تضحّي من أجل الممثّل وليس العكس.

وكاميرا الجيلاني السعدي مباشرة جدّا إلى حد الإرباك، وقد تدفعك الشعور بالغثيان حينا والشعور بالأسى أحيانا لتجليات العنف والتيه والضبابية التي قد تلفذ حياة فرد أمضى دهرا في البحث عن فضاء يحتويه ليصطدم في كل مرّة بواقع قاتم، ولكنّه يمضي دائما إلى الامام.

و"بيدون 3" لا يخلو من المشاهد السوريالية التي تعكس قسوة الواقع ومرارة الوحدة وضريبة السير في طريق خالية، وهي مشاهد مربكة ومزعزعة كمشهد رقص " مومو" مع الدجاجة إذ يخالها أمّه، أو مشهد ممارسه "الحب" مع الدجاجة، أو مشهد صراعه مع الغربان، أو مشهد الطواحين الهوائية المحيلة على التجربة الدونكيشوطيّة.

وفي هذا الفيلم غير المدّعم وغير الخاضع للاطر يظلّ السعدي وفيّا لولعه بالهامش ونفس النظرة للسينما باعتبارها تجربة جماعية مشتركة بين المخرج والفنانين، ووفيا لخياراته في عرض بعض المشاهد التي قد تكون صادمة للجمهور وحتّى مثيرة للاشمئزاز ولكنّه خيّر تضمينها الفيلم على "قبحها".

وأنت تشاهد الفيلم قد يربكك، التنافروالتباعد بين الاحداث والشخصيات في بعض المواضع، لكنّ حديث الجيلاني السعدي في نهاية الفيلم يفسّر ذلك على اعتبار أن الأمر لا يعدو إلا أن يكون نهجا و"فلسفة" سينمائية يعتمدها في أفلامه، ولا يمكننا الحديث عن الفيلم دون الثناء على موسيقى سليم عرجون وغناء لينا العش التي أدّت دور "دوجة".

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.