“بزنس” المتوسط: المهاجرون مقابل الأورو!

الأرض فراشهم وأشعة الشمس الحارقة غطاؤهم، أدباش متناثرة هنا وهناك، يقتنصون بعض ظلال الحيطان في محاولة منهم للاختباء من لهيب الشمس، هكذا كانت وضعية المهاجرين غير النظامين في صفاقس قبل ان يتم ترحيلهم الى الحدود مع ليبيا .

 يبلغ عدد المقيمين الشرعيين في تونس من مواطني دول إفريقيا جنوب الصحراء  5376  منهم 93 بالمائة طلبة، ويتوزع باقي المقيمين بين ديبلوماسيين متقاعدين ومستثمرين ورجال دين، وفق المدير العام لشرطة الحدود والأجانب عماد الزغلامي.

في حين لا توجد إحصائيات دقيقة لعدد المهاجرين المقيمين في تونس  بصفة غير شرعية من الافارقة جنوب الصحراء، وتم إحصاء 6000 مقيم غير قانوني من قبل المنظمة الدولية للهجرة  مكتب تونس وصفاقس  وبين 7000 و 8000 من قبل المفوضية السامية للاجئين.

فئة من المهاجرين المسكوت عنها

تقول إحدى الناشطات في المجتمع المدني "سارة" لحقائق اون لاين، والتي عاينت وضعية المهاجرين في الحدود الجنوبية لتونس،  انّ وضعيتهم سيئة جدا لأن فيهم نساء حوامل وأطفال، ووضعيتهم الصحيّة سيئة لأنهم جاؤوا مشيا على الأقدام من الحدود مع ليبيا ومن الجزائر لمدة ناهزت الاسبوع في درجات حرارة مرتفعة.

وتحدثت في شهادتها عن فئة من المهاجرين، من  المسكوت عنها، في وسط بن قردان وجرجيس وبعض المناطق الحدودية، وهم الشبان والرجال الذين يقيمون في الشارع لأنّ المفوضية تقوم فقط بإيواء القصر أو العائلة ككل لكن الرجال والشباب يقيمون في الشارع ويفتقدون الدواء ويعيشون فقط على مساعدات الهلال الأحمر و تبرعات المواطنين والتي تعد قليلة.

وأكّدت "سارة"، ووفق ما ادلى به المهاجرون، أن السلطات التونسية هي التي وضعتهم في الحدود الجنوبية، مبينة أنهم في وضعيية هشة لايمكنهم الحديث بكل حرية والتعبير عن كيفيّة معاملتهم.

أزمة المهاجرين غير النظاميين انطلقت منذ خطاب رئيس الجمهورية

عاشت تونس تطورات سريعة وساخنة منذ خطاب الرئيس قيس سعيد في 21 فيفري الماضي بشأن المهاجرين غير نظاميين من دول إفريقيا جنوب الصحراء الذين تستقبلهم تونس.
وفي خطابه دعا سعيد إلى وضع حد لما قال إنه تدفق "أعداد كبيرة" من هؤلاء المهاجرين، معتبرا الأمر "ترتيبا إجراميا يهدف لتغيير تركيبة تونس الدّيمغرافية".

وردا على انتقادات واتهامات له بالعنصرية تجاه المهاجرين، اعتبر سعيد بعد يومين من خطابه حينها، أن "من يتحدث كاذبًا عن تمييز عنصري يبحث عن الفتنة والفرقة والمساس بعلاقاتنا بأشقائنا الأفارقة".

وأوضح أن "الأمر لا يتعلق بمَن هو مقيم بصفة قانونية"، محذرًا "من التعرض لأي كان بسوء فالأمر يتعلق بالدولة وهي تتحمل المسؤولية"، مخاطبًا المسؤولين في بلادنا: "أوصيكم خيرًا بأشقائنا الأفارقة المقيمين بتونس بصفة قانونية وألا يتعرض لهم أحد".
وتعهد بردع "كل أنواع الإتجار بالبشر والحد من ظاهرة استغلال المهاجرين غير النظاميين من خلال تكثيف حملات الرقابة، وتخصيص رقم أخضر على ذمة المقيمين من مختلف الدول الإفريقية الشقيقة للإبلاغ عن أي تجاوز في حقهم".

إجراءات لتدارك "خطأ" الرئاسة

وفي محاولة لتجاوز الأزمة التي افتعلتها رئاسة الجمهورية، اتخذت تونس إجراءات لفائدة المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء اثر تنامي التحريض ضدهم في أعقاب خطاب للرئيس قيس سعيّد.

وقالت الرئاسة إنه تم اتخاذ إجراءات لصالح المهاجرين، منها تسليم بطاقات إقامة لمدة سنة لفائدة الطلبة من البلدان الإفريقية.
وفي بيان، نشرته على حسابها الرسمي على فيسبوك، أعربت تونس عن رفض اتهامها بالعنصرية، وقال البيان إن الحكومة التونسية تعبر عن "استغرابها من هذه الحملة المعروفة مصادرها والمتعلقة بالعنصرية المزعومة في تونس، وترفض هذا الاتهام للدولة التونسية"، وأضاف البيان أن تونس كانت قد دعت "في السنوات القليلة الماضية إلى أن تكون إفريقيا للأفارقة وتصدت بكل ما أتيح لها من وسائل لجرائم الإتجار بالبشر التي يعاني منها الإخوة الأفارقة إلى حد الآن، والدولة التونسية لم تقبل ولن تقبل أن يكون الأفارقة ضحايا هذه الظاهرة المشينة لا في تونس ولا خارجها".
وأعلنت الحكومة حينها جملة من الإجراءات، قالت إنها تستهدف "تيسير الإجراءات على الأجانب المقيمين بها وحماية مختلف الجاليات"، شملت تسليم بطاقات إقامة لمدة سنة لفائدة الطلبة من البلدان الإفريقية، والتمديد في وصل الإقامة من ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر، وتسهيل عمليات المغادرة الطوعية لمن يرغب في ذلك في إطار منظّم وبالتنسيق المسبق مع السفارات والبعثات الدبلوماسية للدّول الإفريقية بتونس.

ظروف عمل هشة

وقعت تونس على عدد من المعاهدات الأساسية لضمان حقوق المهاجرين والاجانب وطالبي اللجوء، الا أن تونـس لـم توقـع المعاهدة عدد 97 وفصولها التكميلية عدد 143 المتعلقة بالعمال المهاجرين سنتي 1949 و1975 ، ولا المعاهدة الدولية حول حماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد عائلاتهم في سنة ٠199.

ويعمل المهاجرون خاصة  منهـم الوافـدون مـن دول افريقيـا  جنوب الصحراء بأجور زهيدة ودون مقومات العمل اللائق، ويلتجؤن الى المهن التي يرفضها الشباب التونسيون لقله أجرها وطول ساعات عملها الحضائر والمطاعم.

"هم لا يرونني انسانا، انا روبوت في نظرهم، يجب عليّ أن أعمل كامل ايام الأسبوع وبأجر اقل من الجميع، باعتبار اني غريبة ووجودي في بلادهم غير قانوني".

بهذه الكلمات اختصرت السمراء العشرينيّة في حديثها لحقائق اون لاين، عن وضعيتها في مركز تجميل بمنطقة باردو التابعة لولاية منوبة، حيث تقوم الشابة التي تعود اصولها الى بوركينا فاسو بالاهتمام بأظافر الحرفاء على مدار اليوم.

وضعية العاملة الأجنبية ليست حالة شاذة وانما أصبحت واقعا مريرا يعاني منه المهاجرون غير النظاميون في تونس ورغم ذلك يقبلون عليها لتجدهم يعملون في مختلف المهن والقطاعات، فلا حلّ أمامهم سوى جني بعد المال لسدّ حاجياتهم اليومية.

وتشهد تونس منذ 2011 وخاصة وفي السنوات الخمس الاخيرة تزايد الأفارقة الأجانب القادمين من دول الساحل، وأغلبهم كانوا يعملون في ليبيا لكن بسبب توتر الاوضاع هناك  ازدهرت تجارة البشر مستغلين الهاربين من جحيم الحرب في الدولة الليبية لتتحول بدورها تونس الى مهرب لهؤلاء  أو إلى نقطة عبور نحو ايطاليا، ليدو انفسهم بين الامواج والأقدار.

المهاجرون الهاربون من جحيم الحرب والفقر ضحايا في شِباك تجار البشر

ذكرت الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر أن غالبية ضحايا الاتجار بالبشر من الاجانب، ويمثلون 87 بالمائة من حالات الاتجار المسجلة في سنة 2020 فالمواطنون التونسيون لا يمثلون سوى 22.4 من حالات الاتجار المسجلة  سنة 2020 لدى الهيئة الوطنية لمكافحة الاتحار بالبشر.

ويشكل مواطنو الكوديفوار المكون الرئيسي لضحايا الاتجار حيث بلغت نسبتهم 72.0 بالمائة من اجمالي عدد الضحايا المسجلين لدى الهيئة.

 

*توزيع الضحايا حسب الجنسيات

وفي المجموع هناك 15 جنسية معنية بحالات الاتجار بالبشر التي سجلتها الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر خلال 2020 موزعين على قارة افريقيا (الجزائر، بوركينا فاسو، الكامرون، الكوت ديفوار، غينيا، مدغشقر، مالي، اوغندا، السنغال سيراليون، توغو ، تونس) وآسيا (اليابان والفلبين).

كما يمثل التشغيل القسري الفئة الرئيسية  وبلغ 75.1 من الحالات، ويستهدف هذا الشكل من الاتجارالجنسيات من افريقيا جنوب الصحراء وخاصة الافوريين المعنيين بالتشغيل القسري وخاصة العمل المنزلي.

وفق دراسة لمنتدى الحقوق  الاجتماعية والاقتصادية، لا تقتصـر المصاعـب التـي يواجههـا المهاجـرون فـي التحصـل علـى شـغل لائـق علـى عـدم توقيــع الجمهوريــة التونســية لبعض المعاهــدات الدولية، بــل تشــمل كذلــك بعــض البنــود الــواردة ضمــن مجلــة الشــغل والتــي تحــول دون حصــول المهاجريــن علــى شــغل قــار.

 وعلــى وجه الخصوص الفصل 258 والفصول التي تتبعه والتي تفرض على المهاجرين من وزارة التشغيل بتأشـيرة صالحـة لكامـل فتـرة عقـد العمـل، منـع المشـغلين مـن انتـداب الأجانـب اذا مـا توفـرت المهـارات المطلوبـة لـدى التونسـيين، ومنـع تجديـد عقـد العمـل للمهاجريـن لأكثـر مـن مـرة "الا فـي حالـة عملهـم فـي مؤسسـاتهم الخاصـة المنشـأة فـي تونـس فـي اطـار البرامـج التنمويـة المرخـص لها من طرف السلطات المعنية".

أمــا بالنســبة للطلبــة، فيمنــع تشــغيلهم حتــى بصبغــة موســمية أو بنظــام نصــف يــوم وهــو مــا يعقـد وضعيـة المتربصيـن واسـتكمال مشـاريع التخـرج للطلبـة الراغبيـن فـي تحصيـل الخبـرات المهنية.

هل تنكرت تونس لالتزاماتها؟ 

وقّعــت تونــس علــى المعاهــدات الدوليــة كمــا ســنّت قانونــا متعلقــا بالأجانب في 1968 ومجلة حماية الطفولة في 1995 كما أكدت في دستور 26 جانفي 2014 على ضمان حـق اللجـوء حيـث ورد فـي الفصـل 26" :حـق اللجـوء السياسـي مضمـون طبـق مـا يضبطـه القانـون، ويحجر تسليم المتمتعين باللجوء السياسي".

تــم وضــع عديــد الآليــات لحمايــة المهاجريــن: عديــد المعاهــدات الدوليــة حــول حقــوق الانســان تحتــوي فصــولا خاصــة بحمايــة الأطفــال ومنهــا علــى ســبيل الذكــر لا الحصــر:

العهــد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966 ،اتفاقيــة الأمــم، المتحـدة لمناهضـة التعذيـب وغيـره مـن ضـروب المعاملـة أو العقوبـة القاسـية أو اللاإنسـانية أو المهينـة لحقـوق الإنسـان 1984، الاتفاقيـة الدوليـة للدفـاع عن حقوق العمـال المهاجرين وجميع أفـراد عائلاتهـم (1990، اتفاقيـة حقـوق الأشـخاص ذوي الإعاقـة (2006 ، الاتفاقيـة الخاصـة بوضع اللاجئيــن 1949، والبروتوكــول الملحــق الخــاص بهــا 1977 ، والاتفاقيــة الدوليــة لحمايــة جميــع
الأشخاص من الاختفاء القسري 2006.

 الدعم الاقتصادي مقابل وقف تدفق المهاجرين غير النظاميين 

وقع الاتحاد الأوروبي وتونس مذكرة تفاهم  من أجل "شراكة استراتيجية شاملة"، ويُقدّم الاتحاد الأوروبي بمقتضى هذه الاتفاقية مساعدة مالية لتونس، التي ستعزز في المقابل كفاحها ضد الهجرة غير النظامية عبر البحر الأبيض المتوسط.

وبينما كان الاتحاد الأوروبي يتفاوض على اتفاقية هجرة مع تونس، شدّدت السلطات  سياستها تجاه المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، حيث تم التخلي عن مئات الأشخاص في الصحراء  على مستوى الحدود فيما تم دعوة البعض الاخر الى المغادرة.

وقال وزير الداخلية كمال الفقيه في تصريح لقناة الحدث، أن 1057 مهاجرا إفريقيا غير نظامي غادروا تونس طوعا نحو بلدانهم، فيما منعت السلطات نحو 2200 مهاجر من دخول البلاد عبر المعابر الحدودية خلال النصف الأول من 2023، مبينا أن السلطات التونسية أنقذت أكثر من 15 ألف مهاجر غير نظامي قبالة سواحل البلاد، معظمهم من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء خلال الفترة الممتدة من جانفي إلى 29  جويلية الجاري.

وفاة مهاجرين سقطا في حفرة عميقة

من جانبه أكد رئيس المرصد التونسي لحقوق الانسان، مصطفى عبد  الكبير، تواصل تدفق المهاجرين غير النظامين عبر الحدود الجنوبية رغم الاتفاق التونسي الليبي، مبينا أن وضعيتهم صعبة وتم تسجيل حالتي وفاة في صفوفهم..

 

تأتي هذه الاحداث وتدفق المهاجرين ووفاة اثنين منها رغم انعقاد  جلسة عمل مشتركة   بتاريخ 09 اوت 2023 بين وزر الداخلية التونسي مع نظيره الليبي، حيث تم التوصل إلى حل توافقي يقضي بإخلاء المنطقة الحدودية العازلة بين البلدين من خلال قبول كل طرف لمجموعة منهم.
 وقد تم بمقتضى هذا الاتفاق نقل 126 مهاجرا من بينهم 08 أطفال من العالقين على الحدود التونسية الليبية برأس الجدير على متن 03 حافلات إلى مقرات الإيواء الموضوعة على ذمة المهاجرين بولايتي مدنين وتطاوين والتي تم اختيارها من قبل الهلال الأحمر التونسي الذي تكفل بتقديم الرعاية الصحية والإغاثة الإنسانية لهم. 

ترسانة قانونية كونيّة لحماية حقوق المهاجرين

أصدرت المنظمة الدولية للهجرة  تقرير "الهجرة في العالم لعام 2022" الذي كشف عن زيادة دراماتيكية في النزوح الداخلي بسبب الكوارث والصراعات والعنف، وارتفع عدد النازحين داخليا بسبب الكوارث والصراعات والعنف إلى 40.5 مليون شخص (مقارنة ب 31.5 مليون عام 2019).

 شرّعت الدول والحكومات لقوانين واتفاقيات دولية من أجل الحفاظ على كرامة المهاجرين غير النظاميين، إلا أنّ وضعية المهاجرين في أغلب الاحيان تناقظ تماما ما نصّت عليه تلك التشريعات!

ويبقى ملف المهاجرين ورقة مقايضة بين الحكومات والمؤسسات الماليّة .. وفي الاثناء يموت كثيرون ويقهر اخرون…
 

لمحة على التشريعات الدولية لحقوق المهاجرين

 اتفاقية جنيف لسنة 1951، اتفاقية 1954 المتعلقة بوضعية فاقدي الجنسـية واتفاقية 1961 حول تقليص عدد فاقدي الجنسية، العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 وبروتوكوله الاختياري، العهـد الدولـي للحقـوق الاقتصاديـة والاجتماعيـة والثقافيـة لسـنة 1966 وبروتوكولـه، الاختياري، الاعلان الدولي لحقوق الانسان لسنة 1948، الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لسنة 1965، الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لسنة 1989، معاهدة مكافحة الاتجار بالبشر لسنة 2005، الميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب لسنة 1981، ميثاق الدول العربية لحقوق الانسان لسنة 2004، الاتفاقية العربية لطالبي اللجوء لسنة 1994، اتفاقية جنيف في فصلها الأول حول وضع اللاجئين وفي فصلها 33 الذي يؤكد على منع الترحيل القسري.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.