أمل الصامت –
تلفزيون الواقع في معناه العام هو نوع من البرامج التي يتم فيها جمع أفراد من عامة الناس في مكان محدد وبيئة محددة وتسجيل حياتهم وردود أفعالهم الطبيعية مع عدم وجود نص مكتوب، وعرضه عرضا مباشرا للمشاهدين الذين يتابعون حياة المشتركين وتصرفاتهم وردود أفعالهم.
وتنقسم هذه البرامج التي انطلقت من البلدان الغربية لتنتقل فيما بعد إلى البلدان العربية إلى عدة أنواع، منها برامج فنية على غرار “ستار أكاديمي” وأخرى تهم المشاهير مثل “ذي سمبل لايف”، إضافة إلى برامج الألعاب التي مثلها في وقت ما “الأخ الأكبر”، اما الصنف الثالث فهو برامج “التولك شو” أو ما يسمى بالبرامج الاجتماعية للابتعاد عن معنى الفضائحية.
ويعود أول برنامج عرض في العالم من تلفزيون الواقع إلى سنة 1973 بالولايات المتحدة الأمريكية واسمه “العائلة الأمريكية”، وتناول مواضيع الطلاق والشذوذ الجنسي… باعتبارها محرمة في المجتمع آنذاك، وهو نفس الأسلوب الذي يتبعه منتجو هذا النوع من البرامج في العالم العربي اليوم.
بين الرفض والقبول
تونس كانت من بين البلدان العربية التي استوردت هذا النمط من البرامج والحصص التلفزيونية الأسبوعية على شاشات قنواتها الخاصة بالأساس، على غرار “عندي مانقلك” على قناة التونسية و”المسامح كريم” على قناة حنبعل و”جاك المرسول” لقناة نسمة… جميعها برامج اجتماعية لاقت استحسان البعض بتعلة أنها سمحت بالكشف عن المستور والخوض في مواضيع محرمة تزيح اللثام عن مدى البؤس والفقر المادي والمعنوي الذي يعيش على وقعه المجتمع التونسي.
ويتجه قسم آخر من الجمهور إلى أن هذه النوعية من البرامج ليست إلا وسيلة تتبعها القنوات الخاصة والقائمة على مبدإ الربح المادي لا غير، لاستقطاب اكبر عدد ممكن من المشاهدين عن طريق الإثارة وبث نزعة الفضول والتطفل على حياة الآخرين.
ولعل إلقاء نظرة سريعة على هذه البرامج كفيل بإثبات أن ما تقدمه من محاور ، تحت غطاء العمل الخيري ومساعدة الآخرين، مجرد وسيلة سهلة لجلب اهتمام المشاهد وبالتالي ارتفاع نسبة المشاهدة، الامر الذي يستطيع من خلاله أصحاب هذه القنوات جلب أكبر عدد ممكن من المستشهرين وجني نسبة أضخم من الأموال.
استغلال معاناة الآخرين
يعمد معدو ومقدمو برامج “التولك شو” هذه إلى تشريك فئات اجتماعية بائسة وضعيفة بل مستضعفة من التونسيين لما يلفها من جهل وعدم وعي بعملية المتاجرة التي تجري عن طريقها، فلا تجد في برنامج الاخوين الشابي مثلا شخصية مثقفة أو ذات مستوى إجتماعي مرتفع نسبيا تاتي لطرح مشكلة ما، حيث لا تستطيع مثل هذه الفئات إسالة دموع الشفقة أو إثارة أحاسيس معينة لدى المشاهد، على نفس المستوى من النماذج الأخرى السابق ذكرها.
وفي هذا السياق، تلعب قدرة المقدم على الاقناع والتأثير في الضيوف دورا كبيرا في إيهام من يسميهم بنماذج من المجتمع التونسي بأن قدرتهم على الكشف عن أسرارهم، التي تتجاوز في غالب الأحيان مجرد الأسرار العادية، دليل على شجاعة وجرأة لا مثيل لها، ليحس هؤلاء للحظة أنهم أبطال ومهما كانت النتيجة فإن العبرة في المشاركة ويعود إلى البيت فرحا مسرورا…
ليس هذا استهزاء، بل هو حقيقة ما يفعله منتجو هذه البرامج كما يحلو لهم تسميتها بالاجتماعية إزاء الأشخاص الذين وجدوا لديهم الأذن الصاغية، في حين أنهم يجهلون الهدف الرئيسي من جلبهم إلى تلك الأستديوهات الضخمة، وجعلهم يقيمون في فنادق فخمة وتقديمهم في صورة نجوم، لا يعلمون أن هذا ليس إلا متاجرة بأعراض الواحد منهم وسمعته وهيبته مقابل أموال طائلة لا ينتفع بها سوى أصحاب القنوات المروجة لبرامج الفضائح.