الهجرة نحو تونس: دولة عبور أم أرض لجوء؟

أميرة الجبالي –

بات ملف تزايد المهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء في تونس يثير الكثير من ردود الأفعال بين من يتساءل عن سبب توافدهم بكثرة على تونس وبين من يدعو إلى التصدي إلى توافدهم على البلاد. 

وبرزت في تونس خلال االفترة الأخيرة حملة على وسائل التواصل الاجتماعي استهدفت أفارقة جنوب الصحراء المتواجدين داعية  لترحيلهم عبر مقطع فيديو على مواقع التواصل الإجتماعي بدعوى "عدم قدرتهم على الإندماج داخل نسيج المجتمع التونسي" ومزاحمه التونسيين في الكثير من مواطن الشغل.

تزامنت الحملة الرافضة لوجود أفارقة جنوب الصحراء على مواقع التواصل الإجتماعي مع قيام السلطات التونسية بحملات أمنية واسعة استهدفت مهاجرين غير شرعيين وهو ما جعل العديد من المنظمات الناشطة في مجال حقوق اللاجئين تستنكر وتطالب السلطات التونسية بتوضيح.

صراع من أجل البقاء

قال مهاجر إيفواري مقيم بتونس، جانا ثام،  في تصريح لحقائق أون لاين إنه قدم لتونس منذ بضع سنوات بهدف الدراسة، مبرزا أنه رفض العودة إلى ساحل العاج بعد ختم دروسه الجامعية وقرر الاستقرار في تونس بسبب أحداث العنف التي تعيشها بلاده.

وأكد ثام أنه حاليا يعمل بمطعم بتونس الكبرى، مشددا على تعرضه لبعض أشكال التمييز بشكل يومي، قائلا "واجهت أنواعا من العنصرية لكن ما يقلقني أكثر هو التمييز الذي أعيشه في العمل، غالبا ما تكون أجرتي أقل من الأجرة التي يتقاضاها العمال الآخرون ولا أظن أن في القانون التونسي ما ينص على إعطاء المهاجر مبلغا أقل مما يعطى للتونسي لقاء نفس العمل".

ومن جانبه، قالرئيس جمعية الايفاوريين الناشطين في تونس، جنابيل جان بيدال، إن أصل جميع المشاكل المرتبطة بالمهاجرين القادمين من دول افريقيا جنوب الصحراء متعلقة أساسا برفض السلطات التونسية تسوية وضعية هذه الشريحة.

وقال "توجد انتهاكات عديدة تمارس ضد ‘مجتمع’ أفارقة جنوب الصحراء في تونس، ويوجد أيضا حالات شاذة لمهاجرين يخرقون القانون التونسي بممارسات نستنكرها، تسوية وضعية المهاجرين القادمين من افريقيا جنوب الصحراء ستجعل من السهل على الطرفين مجابهة الانتهاكات ان وقعت، وليتحمل الجميع مسؤولياتهم في كنف القانون."

وبخصوص الانتهاكات الممارسة ضد أفارقة جنوب الصحراء بتونس يرى جان بيدال أن أغلبها مرتبط برفض بعض المؤجرين اعطاءهم مستحقاتهم المادية، حيث يقع حسب تعبيره ابتزاز العامل المقيم بطريقة غير شرعية وتهديده بالابلاغ عنه في حال حاول تقديم شكوى بالمؤجر الذي لم يعطه مستحقاته، وذكر وجود حالات أخرى لمؤجرين افتكوا وثائق مهاجرين مقيمين بطرق شرعية حين طالبوا بمستحقاتهم.

مغالطات ترتدي ثوب الحقيقة 

وبخصوص تأويلات البعض أن، الأجانب في تونس يزاحمون التونسيين في حقهم في الشغل في وقت تشهد فيه تونس معدلات بطالة مرتفعة، قال الدكتور والخبير الإقتصادي عبد القادر الكسراوي في تصريح  لحقائق أون لاين "هذه مغالطات ترتدي ثوب الحقيقة"، وفسر ذلك بكون اليد العاملة القادمة من دول إفريقيا جنوب الصحراء تساعد في استمرار عديد القطاعات المهددة في تونس كالفلاحة واعمال البناء.

وفي نفس الإطار يقول الكسراوي "أفارقة جنوب الصحراء يساهمون في انعاش قطاعات ينفر العمل فيها أغلب التونسيين ويحيون مهنا تكاد تندثر في بعض المناطق بالبلاد التونسية لقلة الإقبال عليها وأغلبهم يعملون بالقطاع الفلاحي وحمل البضائع وأعمال البناء والإعانة المنزلية وغيرها من الأعمال اليدوية والبدنية الشاقة وهي مهن عانينا من نقص اليد العاملة فيها في العشرية الأخيرة قبل أن يتوافد المهاجرون لتونس ويبدؤوا بسد هذا النقص." 

ويختم بتأكيده على كون المهاجرين المقيمين بتونس لا يزاحمون التونسيين كما يروج البعض بل هم بصدد انعاش قطاعات كانت ولازالت مهددة في تونس.

قانون غير واضح

وفيما يتعلق بوجود بعض المهاجرين غير النظاميين في تونس قالت المسؤولة عن ملف المهاجرين بمنظمة محامون بلا حدود،زينت المروكي، في تصريح لحقائق أون لاين  إن أكثر من مائة شكوى وطلب  إعانة وصل للمنظمة  من قبل أفارقة جنوب الصحراء المقيمين في تونس في السنة الأخيرة، مرجحة أن تكون بقية المنظمات المهتمة بشؤون اللاجئين قد تلقت أرقاما مشابهة أو حتى مضاعفة بالنسبة للمنظمات الرائدة في هذا الملف.

واعتبرت أن تعامل السلطات مع المهاجرين غير انساني إذ وقع، حسب قولها، طرد عشرات اللاجئين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء للحدود الليبية التونسية في الأيام الفارطة من بينهم امراة والدة حديثا ورضيعها وفقدت المنظمة الإتصال بهما بعد بضعة أيام من ولادتها على الجانب التونسي من الحدود الليبية التونسية لتحرمهما السلطات التونسية حتى من فرصة التعافي قبل أن ترمي بهما نحو المجهول.

وفي نفس السياق، أشارت عضوة منظمة محامون بلا حدود لمركز إيواء المهاجرين بالوردية الذي أصبح حسب وصفها مكانا لاحتجاز المهاجرين بشكل غير قانوني وينافي جميع المعاهدات الدولية التي وقعت عليها الدولة التونسية بهذا الخصوص.

وتطرقت المسؤولة عن ملف المهاجرين بمنظمة محامون بلا حدود لطرد ممثلي المنظمة في أكثر من مناسبة من قبل السلطات التونسية وخاصة منها مصالح وزارة الداخلية التي رفضت حتى التجاوب والتحاور مع ممثلي المنظمات الحقوقية وختمت بكون الإطار القانوني المبهم جعل السلطات تتصرف بأرحية في التعامل مع ملف اللاجئين متجاهلة بذلك المعاهدات الدولية الموقعة في الصدد.

تونس لا تحمي الوافدين عليها

اعتبرت الناشطة الحقوقية، بشرى بالحاج حميدة،  في تصريح لحقائق أون لاين  أن "القانون التونسي لا يحمي الوافدين على تونس سواء للهجرة أو اللجوء وهو ما جعل المهاجرين وطالبي اللجوء عرضة للإستغلال والتمييز العنصري".

وقالت "المجتمع المدني يحارب منذ سنوات لأجل قانون ينظم مسألة الهجرة واللجوء بتونس ويضمن حقوق وكرامة المهاجرين" .

وحول طرق قدوم اللاجئين غير النظاميين لتونس ترى بالحاج حميدة أنها مرتبطة أساسا بشبكات الاتجار بالبشر التي تنشط داخل وخارج تونس بل أنها تواصل المتاجرة باللاجئين حتى داخل التراب التونسي حسب قولها.

محاولات انقاذ 

تحاول العديد من المنظمات الدولية والمحلية إيجاد حلول تدعم حقوق المهاجرين في تونس وتدمجهم في النسيج المجتمعي, منها الإتحاد العام التونسي للشغل الذي اعترف بالعمال القادمين من دول افريقيا جنوب الصحراء كجزء من الطبقة الشغيلة بتونس وأعطاهم الحق في الانتماء للإتحاد والانخراط فيه مثلهم مثل غيرهم من العمال التونسيين. 

وبلغ عدد المنخرطين من العمال الأفارقة في الاتحاد أكثر من 1500 منخرط حسب الامين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل نعيمة الهمامي التي أكدت في تصريح لحقائق أون لاين أن الإتحاد سيستمر في دعم العملة الأفارقة ومساندتهم عبر تخصيص مزيد الفضاءات المجهزة والمخصصة لسماعهم ومساعدتهم.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.