10
يسرى الشيخاوي-
هو موسيقي يحمل تونس في قلبه وفي نوتات كمنجته، يهوى البحث في التراث الموسيقي التونسي يتشبّث بالأصالة ويرنو إلى التجديد والتغيير، هو زياد الزواري الذي لا يعترف بالحدود في الموسيقى، يمزج بين تلويناتها ليخلق ألحانا تحمل بصمة كونية متفرّدة تسم كل اعماله.
هو الفنّان الملتزم، صاحب الفلسفة العميقة في أعماله الموسيقية التي تحمل رسائل من قبيل الثورة والحرية والتسامح والمقاومة، هو الذي يطوّع الموسيقى لتوصيف الواقع ونقده والدفع إلى تجاوز كل الإشكاليات المرتبطة بالراهن.
"الطريق إلى رام الله" و"هندي تالة" و"زعمة ثورة"، مقطوعات موسيقية تترجم هواجس الزواري الذي جعل من الموسيقى فضاء يكون فيه الاختلاف في الأذواق الموسيقية والتوجهات والديانات مصدر ثراء لا خلاف، ومن هذا المنطق كانت ولادة " طرق المقام" و"الكترو بطايحي" العرض الذي سيكون حاضرا في مهرجان قرطاج في سهرة الفن البديل في الثالث والعشرين من جويلية الجاري.
والكترو بطايحي يجمع بين الموسيقى التقليدية التونسية وموسيقات العالم ويضم عازف الكمان زياد الزواري وعازف الغيتار غسّان الفندري و"البيتبوكسر" عماد حمدي "توينلو" وعازف الكمان عدلي ناشي وعازف الديدجيريدو محمد البرصاوي وعازفين آخرين ومغنين من مختلف جهات الجمهورية على غرار سيف التبيني من زغوان وإسلام الجماعي من مدنين وألفة حمدي منزل بوزيان وعائدة النياتي من تستور.
وللحديث عن عرض "الكترو بطايحي" وعن فلسفته وعن جديده على ركح قرطاج وعن الموسيقى الآلاتيه في تونس، التقت حقائق أون لاين عازف الكمان زيد الزواري وكان لها معه الحوار التالي:
كان من المقرر أن يكون مشروع "الكترو بطايحي" في افتتاح الدورة الـ55 لمهرجان قرطاج لتتم برمجته في سهرة الفن البديل مع فنّانين تونسيين، مالذي حصل في الكواليس؟
في واقع الأمر نحن قدّمنا تصوّرا لافتتاح أو اختتام مهرجان قرطاج يضم أكثر من 60 فنانا على الركح وهو بمثابة رسم لـ"طريق الحرير" بموسيقى عازفين من الهند وإيران وباكستان وتركيا وأرمينيا ومن بلدان اوروبية ومن تونس.
والدائرة الفنية لهذا المشروع أوسع بكثير من الكترو بطايحي الذي لا يمثّل منه سوى 15 بالمائة، ولم يتم قبوله ولكنّه شدّ انتباه اللجنة الفنية التابعة لوزارة الثقافة وهناك توجه لبرمجته في اطار اختتام تونس عاصمة الثقافة الاسلامية، فهو عبارة عن رسالة تسامح إذ يجمع فنانين من الديانات اليهودية والمسيحية والإسلامية،ويبرز وجه الإسلام المنفتح.
هل انزعجتم من برمجة عر ض الكترو بطايحي مع فنّانين آخرين؟ وكيف تقرؤون هذا التوجّه؟
في الحقيقة لم يزعجنا الأمر، بالعكس نحن سعداء لأن الكترو بطايحي توّج في سهرة الموسيقى البديلة التي يندرج في إطارها، وأن نعرض 15 بالمائة من مشروعنا أفضل من ألا نكون موجودين أصلا.
وإدارة مهرجان قرطاج ارتأت أن تضمّ سهرة الموسيقى البديلة 3 فنانين تونسيين، ويمكن قراءة ذلك على أنه شكل من أشكال عدم الثقة في استقطاب الفنانين التونسيين للجمهور، وهو ماأعلنه أحد المسؤولين صراحة، ويبقى الأمر وجهة نظر لأن الأمر في الأصل مرتبط بالدعاية والإعلام الذي يمكن أحيانا أن يحدّد نجاح حفل موسيقي من عدمه بغض النظر عن الجودة الفنية.
ومن السهل أن تنتج عملا لا يستجيب للمعايير الفنية وتحصد به ملايين الزيارات وتعقبه لقاءات إعلامية ولكن هذا يتعارض مع مبدائنا فنحن ملتزمون فنّيا ونحاول أن ننفذ إلى الإعلام من خلال أعمالنا الموسيقية التي تأتي تباعا لسؤال " لماذا؟"، وذلك إيمانا منا بالمسؤولية التي يحملها الفنان على عاتقه في المجتمع.
في ظل انتشار الأعمال الموسيقية التي ترجّح كفة التجاري على الفني، كيف تمكّنتم من التموقع في المشهد الموسيقي ببصمتكم الملتزمة؟
إنّ اختيارنا الالتزام في الموسيقى لا يتناقض مع البعد التجاري ذلك أن بيع الاسطوانات والصدى الإيجابي الذي تلاقيه أعمالنا لدى الجماهير ونسبة إقبالهم عليها من صميم التجاري وهو إيجابي شرط عدم السقوط في دائرة الاستسهال أو التنازلات سواء على مستوى الأسلوب أو الجودة.
وأملنا في المشهد الموسيقي أن يؤدّي الالتزام بالمبادئ إلى نتيجة تجارية تضمن الاستمرارية، وإن كان الأمر ليس بالسهل ولكنّه أيضا ليس بالمستحيل، وكليب "زعمة ثورة" خير إجابة على وجودنا ذلك أنّ موسيقانا شكل من أشكال الثورة على المعتاد والسائد، وعدم رضا عن الموجود وصرخة في وجه الرداء، وهي البديل فليس المهم أن نشير إلى مكمن الرداءة ونتوقف فنتبنى نقدا بناء بل الأهم أن نطوّر من موسيقانا بما يتماشى مع الحركات الموسيقية في العالم.
راكمتم تجربة موسيقية في الخارج وأنتم اليوم تعودون إلى تونس وتحفرون في عمق التراث، فهل هو سعي لـ"تصدير" الموسيقى التونسية؟
نعم هو مشروع متكامل يحثّ على تصدير الموسيقى التونسية مع بعض التغييرات التي تلبسها طابعا كونيا فإذا سمعها أي شخص في العالم يستسيغها ويجد فيها شيفرات يفهمها وهذا مهم، وهنا نتجاوز البعد الوطني الى البعد الكوني.
واعتقد أنه من واجبي كموسيقي ينتمي إلى صفتين أراوح بينهما وفي كل مرة أشعر بالأسف لما آلت إليه البلاد لذلك أنا أتوجّه أكثر نحو الجهات، نحو الموسيقى التونسية وأتعامل مع فنانين تونسيين من منطلق الالتزام ومن منطلق الإيمان بضرورة كسر كل الحدود أمام انتشار موسيقانا في العالم.
ونحن نأخذ بعين الاعتبار الأصالة والتراث مع الانفتاح لكي لا نقتل الموسيقى، وإن كانت الحفلات في الخارج تمثل لي مصدر فخر والهام إلا أنني غالبا ما اجد نفسي في سياق مقارنات مع المشهد الموسيقي في تونس، ومن هنا ولد مشروع الكترو بطايحي.
في مشروع الكترو بطايحي، راهنتم على آلات موسيقية غير سائدة على غرار الديدجيريدو والسنتور والهجهوج، لما هذا التوجّه؟
بالفعل هي آلات غير مألوفة خاصة الديدجيريدو ، فالعازف محمد البرصاوي هو صانعه الوحيد في تونس وفي شمال افريقيا وهي آلة موجودة بالأخص في آسيا، والأكيد أن هذه الاختيارات تطرح خصوصية على مستوى الصوت.
ونحن حينما نتحدث عن الخصوصية نتحدث عن الاسلوب وعن تقنيات العزف والمقاربة الفنية والجمالية، وخاصة الصوت، فبعض المجموعات الموسيقية تعرفها من اول نوتة، وأنا اريد أن أخلق بصمة موسيقية لا تشبه الا نفسها،لذلك استسلم لفضولي وأتعرف على الآلات الجديدة وأسمعها وأغوص فيها لأعرف النقاط المشتركة بين الآلات والمنتصف الذي يمكن أن يلتقي عنده المزج بينها.
الرهان أيضا شمل المغنين، ماهي الفلسفة التي قام عليها اختيار الأصوات؟
في الواقع، كل صوت له خصوصيته التي يستمدّها من المحيط الموسيقي الذي ينتمي إليه، وكل المغنين يكملون بعضهم البعض، وفي اختلافهم ثراء وتنوع فني.
عرض الكترو بطايحي لا يكرر نفسه ويحمل تجديدا كلّما تغيّر المسرح، فما الجديد على ركح قرطاج؟
سيكون عازف الإيقاع الارميني جوليان تيكيان " Julien Tekeyan" ضيف العرض، وسيجمعه حوار موسيقي مع "البيتبوكسر" عماد حمدي، عنوانه التناسق والتناغم على مستوى "الريتم" وسيشارك كل من الطفلين طارق وأمين الزواري في عزف مقطوعة " زعمة ثورة ".
وفي معزوفة خاصة بركح قرطاج فيها توزيع للآلات الوترية، سيشارك عازفين من الاركسترا السمفوني التونسي من بينهم عازفي الكمنجة يوسف البريني وراسم دمّق، وعازف الألتو محمد مؤنس إلى جانب عازف التشيلو الروماني ايونو فوينا "Ionut Voinea"، مع العلم وأنه كان من المفترض أن تكون هذه المعزوفة مع كل عازفي الاركستر السمفوني لكن مشكل الميزانية حال دون ذلك.
في الختام، هل ترون أن الموسيقى الآلاتية يمكن أن تحظى بالمكانة التي تستحقها في تونس؟
بالنسبة لي الموسيقى الآلاتية في الكترو بطايحي في بر الأمان منذ أن انطلق العرض، وهو عرض موسيقي آلاتي في بدايته كانت الكمنجة تغني، وفي العرض كان هناك غناء دون كلمات، والمغنين في العرض ليس مغنين بالمعنى الكلاسيكي للكلمة بل هم " فوكاليست" يستعملون أصواتهم كآلات موسيقية.