يسرى الشيخاوي-
الفنون التشكيلية ليست فقط تسخيرا للألوان وتطويعا للخطوط والمساحات لخلق جمالية ما، بل هي أيضا تعبيرة عن الحالات الحسيّة للإنسان وامتداد لهواجسه وتمثلاته للعالم من حوله وصرخة في وجه الواقع في محاولة للتحرر من سطوته.
ولأن هذه الفنون بعض من الحياة ومن الأمل والحلم بكل ما تحمله من استيتيقا، فإنها كانت بوصلة تظاهرة ثقافية في منطقة مارث من ولاية قابس التي كانت محج فنانين بعضهم من شمال البلاد وبعضهم الآخر من جنوبها.
هو الملتقى الوطني الأوّل للفنون التشكيلية بمارث، الملتقى الذي زينت فيه الألوان وجه المدينة وتلت حكاياها لتتجاوز حدود مارث ويتردّد صداها وطنيا، وهو من تنظيم دار الثقافة الطيب الوحيشي وجمعية أحمد هاشم للثقافة و التنمية وبلدية مارث.
ثلاثة أيام امتدت خلالها التظاهرة وبعثت روحا جديدة في مارث، في محاولة لأعادة الألق الثقافي للجهة بعد أن خفت بريق الأنشطة الثقافية في السنوات الأخيرة، وفق حديث المنسّق الفني للتظاهرة عمر عيّاد.
أيام مارث الثقافية ومارث بالالوان، تظاهرات احتفت هي الأخرى بالفنون التشكيلية ولكنّها ظلت حبيسة البعد المحلي، ومنها تولّدت فكرة ملتقى وطني للفنون التشكيلية يحيي الجهة وينشّط الشأن الثقافي ويبوح بتعبيرات الفنون التشكيلية، حسب قول عيّاد.
على بساطة التظاهرة والغموض الذي اكتنف بعض جوانبها على اعتبار أنها دورة تأسيسية، إلا أنّ الفنانين التشكيلين لبوا النداء وقدموا من باجة ومدنين وسيدي بوزيد وجرجيس والقيروان وبن قردان وتوزر دون شرط أو طلب.
والملتقى لا يخلو من خصوصية على اعتبار أن مارث حاضنة للفنون والفنانين من اختصاصات مختلفة، ربّما هو السبب الذي جعله قبلة لفنانين زينوا بالأفكار والألوان والخطوط تفاصيل التظاهرة التي يسعى القائمون عليها لأن يكون دوليا ويجذب فنانين من خارج تونس.
في الدورة الأولى للملتقى الوطني للفنون التشكيلية بمارث رفع القائمون على التظاهرة السقف عاليا ولم تكن فعاليتها مجرّد عنوان بلا روح بل تظافر فيها الجانب التقني والجمالي للفنون التشكيلية من خلال حضور أسماء تركت بصمتها على محامل مختلفة.
والتظاهرة الاولى التي انطلقت من نواة صغيرة هي نادي الفنون التشكيلية بدارالثقافة الطيب الوحيشي، لاقت استحسان فنانين فرنسيين وليبين مروا بضيوف المهرجان وهم يرسمون الأفكار على الجدران وسط المدينة، فنانون تركوا كلمات جميلة ووعدا بالمشاركة في ملتقى الفنون إن صار دوليا.
من الرسم إلى النحت فالخط العربي تعدّدت الفنون وكان الهدف واحدا وهو رسم ملامح الأمل والفرح على وجه مارث في تظاهرة حاولت أن تتغلغل في ثنايا المدينة في مختلف فعالياتها لثبت أن الفنون التشكيلية ليست أبعد من الألوان والأشكال فهي حمالة رئاسل ومعاني، وفق قول المنسق الفني للتظاهرة عمر عياد.
وفي حديثه عن أثر التظاهرة في الجهة، يفاخر عيّاد بردود أفعال الأهالي وبالبهجة التي ارتسمت على وجوههم وهو يرقبون اكتمال خلق الجداريات وسط المدينة، جداريات تتلو ألوانها حكايا التحدي التي خاض غماره القائمون على التظاهرة وكسبوه وزرعوا البهجة في دروب مارث.